منذ سنوات طوال مضت، عندما بدأت دويلة الحمدين في قطر بتوجيه سهامها المسمومة نحو أشقائها، بالتآمر عليهم، واللعب من تحت الطاولة للإضرار بهم والكيد لهم، والانحياز للتنظيمات المتطرفة وتبني أجنداتها المعادية للدول والشعوب، وإشعال الفتن والصراعات فيها، لجأ تنظيم الحمدين إلى شراء الذمم لا سيما في الغرب للتستر على أهدافها الخبيثة.
ولم تتورع قطر عن استخدام وسائل رخيصة كثيرة في مسلسلها التآمري المشين، ومن أشهر هذه الوسائل التي بدأت معالمها تنكشف أكثر وتصبح أكثر التصاقاً بقطر أسلوب شراء الذمم، وإعطاء الرشاوى للمأجورين، وإنفاق ملايين الأموال لحساب شخصيات ومؤسسات بهدف خدمة أجنداتها وتلميع صورتها وكف اللسان عن سلبياتها واستمالة أصحاب القرار لصالحها.
ولم يعُد خافيا، في السنوات الأخيرة على أي من الدول أن قطر أصبحت بمثابة المتخصص رقم واحد في شراء الذمم وكسب ولاء الحكومات ودعم جماعة الإخوان المحظورة، لكن السؤال الملحّ مع تواتر التقارير الدولية التي تتحدث بالتفصيل عن أنشطة قطر في أوروبا وفي بقية البلدان الغربية يتلخص في ما يلي: لماذا تغض أوروبا والولايات المتحدة النظر عن الدوحة رغم أنها مرت إلى مرحلة أخرى أخطر تتمثّل في سعيها إلى التحكم في صناعة القرار السياسي لواشنطن أو بعض العواصم الغربية المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط عبر تقديم تمويلات سرية للمؤسسات التعليمية، فمن يعيد الدوحة إلى حجمها الطبيعي؟
تتصدّر قطر قائمة أغنى الدول في العالم لعام 2019، حيث يبلغ نصيب الفرد القطري من الناتج المحلي نحو 135 ألف دولار، لكن كل هذه الأموال لم يستفيد منها المواطن القطري في شيء إنما تعود بعضها فقط على الحاشية والأسرة الحاكمة، بينما يصرف الباقي على دعم الجماعات المتطرفة وشراء الذمم والمواقف والاستثمار في الدول الكبرى بهدف إيجاد موطئ قدم لها بين الكبار.
البعد الاقتصادي، على أهميته، ليس الهدف الرئيس بالنسبة لقطر من استثماراتها المنتشرة في 80 دولة حول العالم، هناك جانب خفي، يهدف إلى دعم ما بات يعرف اليوم بالقوة الناعمة، أو حسب المثل الشعبي “اطعم الفم، تستحي العين”.
وبلغة أكثر وضوحا، هو إغراء لشراء الذمم، وكسب ولاء حكومات ودول، فمنذ أن شرعت الدوحة في استقبال قيادات الإخوان بعد هروبها من دولها، لم يعد دورها في دعم الإرهاب وتمويله محلّ تساؤل. حيث قدمت العون لقادة الجماعة لترويج أفكارهم. تحت غطاء جمعيات خيرية تقدّم المساهمات لبناء مساجد، ومنح لمؤسسات تعليمية.
ويقدّر خبراء أن حجم التمويل القطري للإخوان في أوروبا يصل إلى 350 مليون يورو. فلماذا تغضّ أوروبا، ومعها الولايات المتحدة والعالم، الطرف عن سلوك قطر، رغم أن الإرهاب الذي تموّله وترعاه طال الجميع، وهناك دلائل على ذلك.
في بريطانيا التي طالب فيها وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، قطر بتقديم إجابات حول دعمها للإرهاب، لم يتخذ أي إجراء فعلي لمعاقبة الدوحة.
ورغم أن جهات إعلامية وسياسية داخل مدريد كشفت دور قطر في نشر الإرهاب، وعزمها تمويل بناء 150 مسجداً في إسبانيا بحلول عام 2020، ومن ثمّ تحويلها إلى منابر لدعاة يستقطبون الشباب لصفوف الجماعات الإرهابية، اختارت الحكومة الإسبانية التزام الصمت، نفس الصمت تبديه ألمانيا وفرنسا وباقي أعضاء المجموعة الأوروبية.
دعم الميليشيات والجماعات المتطرّفة بالسلاح والعناصر البشرية، ليس أخطر أوجه دعم الإرهاب الذي تمارسه الدوحة، هناك اليوم مخاوف من أن يقود تمويل قطر السري للمؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة إلى تحكمها في صناعة القرار السياسي الأميركي المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذه المخاوف عبّر عنها، جريج رومان، الرئيس التنفيذي للعمليات في منتدى الشرق الأوسط، كاشفا أن قطر أنفقت مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، ليس فقط لمحاولة التأثير على الجامعات، بل التأثير على المدارس العامة وأقسام الشرطة، واعتبر رومان جامعة “كارنج ميلون”، التي تشرف على إدارة مؤسسات جامعية في الدوحة، وتعدّ الجامعة الأولى في علوم الكمبيوتر في الولايات المتحدة، مثالا على ذلك.
يكفي أن نطرح سؤالا حول دوافع الدوحة للقيام بتوزيع أكثر من مليار دولار على الجامعات الأميركية، وفق أرقام ذكرها، أورين ليتوين، المدير المساعد لمشروع الإسلاموية في السياسة التابع لمنتدى الشرق الأوسط، لنعرف الأهداف البعيدة التي يراد الوصول إليها.
وقد قامت منظمة “الرقابة القضائية” الأميركية برفع دعوى ضد جامعات أميركية، بسبب عدم التصريح بالدعم المقدّم لها من قطر مباشرة، أو عبر وكلاء لها. وحذّرت المنظمة القضائية من أن علاقات قطر مع منظمات متطرّفة يؤثر على توجّه الأبحاث الفكرية والمناهج التعليمية لتلك الجامعات.
حجم التمويل القطري لجماعة الإخوان في أوروبا يصل إلى 350 مليون يورو. فلماذا تغض أوروبا، والولايات المتحدة الطرف عن سلوك قطر
وتموّل قطر ما بين 2500 إلى 3000 برنامج تدريب للطلاب في جامعات الولايات المتحدة. وبالمقابل تشرف جامعات أميركية على إدارة مؤسسات تعليمية في قطر، وهو الأمر الذي أتاح للدوحة فرصة لشنّ حملاتها الإعلامية.
لم يعُد خافيا أن قطر تحاول الهيمنة من خلال المساعدات على القرار الثقافي وانتزاع قيادة القوى الناعمة في العالم العربي وعموم المنطقة.
فملايين الأموال ضختها قطر لشراء ذمم كتاب ومثقفين وصحافيين ومؤسسات حقوقية وإعلامية وصحف وإذاعات ومراكز أبحاث لكسبها في صفها، وعقد الصفقات المشبوهة للضغط على الآخرين واستمالتهم لتحقيق أهدافها الدنيئة.
وحسب الباحث في مركز هدسون، لي سميث، فإن مبعوث السلام الأميركي السابق، مارتن إنديك، وهو حاليا نائب رئيس ومدير السياسة الخارجية في معهد بروكينغز في واشنطن العاصمة، تلقّى مبلغ 14 مليون دولار. وكانت قطر وقعت اتفاقية مع المعهد لافتتاح فرع له في الدوحة عام 2007.
وسيلة قطر الأخرى للهيمنة هي الدفع بسخاء لشركات العلاقات العامة، وتقدّم ملايين الدولارات لأشخاص نافذين داخل واشنطن، ضمن حملة مستمرة للتأثير على المشهد السياسي الأميركي، حيث يُقال إن بعض الدبلوماسيين والنافذين السياسيين يعملون نيابة عن الدوحة.
وبعد انتخابات عام 2016 تفرّغت شخصيات، من الدائرة المحيطة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، للعمل لصالح قطر ومهاجمة السعودية في وسائل الإعلام وداخل الكونغرس، ويعمل في السرّ أعضاء من جماعات الضغط الجمهوريين، مقابل أجر شهري قدره 500 ألف دولار توفره لهم الدوحة.
ومنذ عام 2017 تضاعف التمويل القطري لشركات العلاقات العامة إلى أربعة أضعاف، حيث شمل 23 شركة، وإلى جانب ذلك ضخّت قطر أكثر من 830 مليون دولار في ثلاث جامعات أميركية تملك فروعا لها في الدوحة.
واستعانت الدوحة، بعد قرار دول الرباعية بمقاطعتها، بشركة أشكروفت للخدمات القانونية لتقديم الاستشارات لصالحها، في ما يخص مكافحة الإرهاب وتوافق أنشطتها مع قانون الخزانة الأميركية لتحاشي العقوبات.
القطريون يلعبون لعبة خبيثة حسب، رونالد ساندي، وهو محلل سابق في المخابرات العسكرية الهولندية، وقع ضحية هجمات قرصنة شملت 1500 شخص، منهم سياسيون أميركيون في واشنطن. أعمال القرصنة هذه لم تقتصر على الأعداء، بل شملت أصدقاء للدوحة أيضا.