حذر تقرير لصحيفة "ديلي كولر" الأمريكية، من خطورة الاتفاقية العسكرية التي أبرمها النظام القطري مع تركيا قبل عدة أشهر، مشيرة إلى أن حكام الدوحة سيعملون على استغلال هذه الاتفاقية ذات البنود المبهمة والغامضة، من أجل زعزعة الاستقرار الإقليمي، وارتكاب أعمال طائشة ضد دول الجوار.
وفي التقرير التحليلي الذي أعدته الكاتبة أديل نازاريان، تعد هذه الاتفاقية هي الأولى من نوعها بالنسبة للنظام القطري، حيث تقضي بجلب قوات تركية إلى الحدود بينه وبين جيرانه، ما يشير إلى الخطر والتصعيد المحتمل لصراع مشتعل بين قطر والمملكة العربية السعودية في الخليج والشرق الأوسط.
وأكد التقرير أن توقيع تلك الاتفاقية يهدد الأمن في الشرق الأوسط بأسره، ويستهدف حشد القوى المتشددة في المنطقة، من قبيل الميليشيات الحوثية الموالية لإيران والتي تتلقى تدريباتٍ فيها كذلك، والجماعات المسلحة الموجودة في العراق، التي تخضع أيضاً لسيطرة نظام الملالي، إلى جانب الموالين للنظام القطري.
وفي إشارةٍ إلى أن أنشطة تلك الميليشيات تشكل خطورة حتى على مصالح الدول الغربية في المنطقة، لفتت الكاتبة الانتباه إلى الأمر الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في سبتمبر الماضي بإخلاء قنصلية الولايات المتحدة في مدينة البصرة العراقية، إثر سلسلة من الهجمات التي شنتها آنذاك ميلشيات مدعومة من "فيلق القدس" الإيراني، المتورطة في الكثير من الأحداث الإرهابية التي شهدتها المنطقة على مدار العقود الماضية.
وأوضحت أن مخاطر النفوذ الإيراني تتزايد مع حرية الحركة التي باتت تحظى بها القوات التركية في قطر، بموجب الاتفاقية العسكرية الأخيرة بين نظام تميم بن حمد وحكومة أنقرة، وهو ما يجعل الأمر يبدو وكأنه يصب في مصلحة محور ثلاثي يضم قطر وإيران وتركيا.
وأبرزت الصحيفة الأمريكية حقيقة أن توقيع هذه المعاهدة، التي وصفت رسميا بأنها الاتفاقية المبرمة بين الدوحة وأنقرة في 28 أبريل 2016 حول نشر قوات تركية في أراضي دولة قطر، كان يعني أن الجيش التركي سينتشر في أراض بالخليج للمرة الأولى منذ والذي تم توقيعه، يشير إلى أنه لأول مرة منذ 101 سنة سيكون هناك وجود عسكري تركي في الخليج.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة تمنح إردوغان حرية الحركة لاستغلال الأراضي القطرية لتعزيز مصالحها الإيديولوجية، في وقت تستخدم فيه قوة حلف شمال الأطلسي باعتباره تحالفا دوليا، يمثل الجيش التركي ثاني أكبر جيش فيه، بعد جيش الولايات المتحدة.
وسلطت "ديلي كولر" على ما أعرب عنه محللون أوروبيون من مخاوف من أن الاتفاق العسكري الأخير بين الدوحة وأنقرة يمكن أن يُساء استخدامه لتنفيذ مهام عسكرية في منطقة الخليج، بالنظر إلى أن قطر دولة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا.
ونقلت عن هؤلاء المحللين قولهم إن هذا الاتفاق ينطوي على مخاطر هائلة على صعيد احتمال تصعيد التدخلات التركية في صراعات محتملة قد تنشب في الشرق الأوسط، وإشارتهم إلى أن ذلك يؤكد الرؤية القائلة بأن الغموض الذي تصطبغ به الاتفاقية هو أمر متعمد وممنهج للسماح للقيادة التركية باستغلالها بالشكل الذي تراه مناسبا.
ونشرت "ديلي كولر" بنود الاتفاقية المشبوهة بين النظام العثماني وإمارة الإرهاب، حيث كشفت المعاهدة عدم تحديد مدى زمني لبقاء القوات التركية في قطر، كما لا تضع معايير تحكم الأنشطة التي ستمارسها تلك القوات على الأراضي القطرية.
وتنص المادة 1 بغموض على: تحدد هذه الاتفاقية الأحكام والشروط الرئيسية التي تنظم على المدى الطويل، وكذلك الوجود المؤقت وأنشطة القوات المسلحة التركية، ومركز القوات المسلحة التركية في قطر والدولة المضيفة HNS في قطر للانتشار في الإقليم، وتم إدراج هذا في القانون التركي في 9 يونيو 2017.
وكمتابعة لذلك، تنص المادة 17 من الاتفاق على أن مدة الاتفاقية "تظل سارية المفعول لمدة 10 سنوات من تاريخ دخولها حيز النفاذ"، وتضيف أنها سوف تجدد تلقائيا للحصول على مدة إضافية من خمس سنوات لكل تمديد، ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان هذا ينطبق على وجود القوات التركية أو إذا كان ينطبق على شيء آخر.
وأشارت الصحيفة إلى أرقام الفقرات التي أحيطت عمدا بالغموض لفتح الباب أمام إمكانية التلاعب بها من جانب النظامين القطري والتركي، وإفساح المجال كذلك أمام حكومة إردوغان لاستخدام جنودها في الأراضي القطرية في أي مهام عسكرية من دون العودة إلى البرلمان أو الالتزام بنصوص الدستور الساري في تركيا.
كما ركز التقرير التحليلي على الفقرة الرابعة من الاتفاقية التي تقول إن المعاهدة تسمح للقوة التركية المنتشرة في قطر بتنفيذ مهام تدريبية ومناورات.. وكذلك أي مهام أخرى، شريطة الموافقة الخطية من قبل الجانبين، وهو أمر يبدو محسوماً في ظل التوافق المشبوه القائم بين البلدين في الوقت الحاضر.
كما لا تشير نصوص الاتفاق إلى أي طرف ثالث يمكن أن يتم اللجوء إليه لفض أي خلاف أو نزاع بين الجانبين القطري والتركي، بل إن الفقرة السادسة عشرة منه تقول إن أي مشكلة من هذا النوع ستحل عبر المفاوضات بين الطرفين، من دون إحالتها إلى أي طرف أو مؤسسة أو محكمة وطنية أو دولية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية في تقريرها عن جريج رومان مدير مركز منتدى الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن تأكيده على الأهداف المثيرة للجدل لذلك الاتفاق ومخاطره على الوضع في المنطقة العربية، في ضوء أن الوجود العسكري التركي في الخليج لا يتعلق بدعم الاستقرار الإقليمي، ولكنه يرتبط بمحاولة بسط الهيمنة العثمانية، التي تسعى إليها القيادة التركية كجزء من رؤيتها لدور البلاد على الساحة الإقليمية.
وأوضح مدير منتدى الشرق الأوسط أن هذه الاتفاقية العسكرية تمنح تركيا وبشكلٍ جوهري القدرة على فرض أجندتها الإقليمية من دون أي كوابح أو ضوابط، قائلا إن كل هذا يستهدف تمكين أنقرة من تحقيق مطامعها المتعلقة بأن تتحول إلى قوة ذات ثقل في الشرق الأوسط، وبسط نفوذها خارج دولٍ مثل العراق وسوريا.
كما تطرق التقرير لرؤية رونالد ساندي الخبير الاستراتيجي الحالي والمحلل السابق لدى الاستخبارات العسكرية الهولندية، والذي يعتبر أن الاتفاق القطري التركي "شديد الغرابة بشكل أو بآخر ولا يتسق مع المعايير الغربية، وهو ما يدعونا للإقرار بأنه كتب من جانب أناس يتلاعبون بنا".
وأشار ساندي الذي كان واحدا من بين أكثر من 1200 شخصية تعرضت على مدار السنوات الماضية لحملة قرصنةٍ إلكترونية وقف نظام الحمدين وراءها- إلى أن قطر وتركيا تعملان بالفعل على التعاون من أجل تعزيز نفوذهما، وأعتقد أن إيران -في مرحلةٍ ما- تعمل على تحقيق هذا الهدف بدورها كذلك.
الاتفاقية التي تم تفعليها بين دوحة الإرهاب والإمارة العثمانية، ساهمت في تكريس النظام التركي هيمنته الاقتصادية والعسكرية على قطر، مستغلا ارتماء ذميم العار في أحضانه، ليواصل إردوغان غريزته الاستعمارية.
فبعد يومين فقط من صدور قرار مقاطعة قطر من قبل الدول العربية الأربع، سارع تميم العار ليتذلل لسيده العثماني إردوغان، ويعلن تفعيل الاتفاقية الموقعة من قبل بين أنقرة والدوحة، والتي تنص على إقامة قاعدة عسكرية تركية، ونشر 5 آلاف جندي تركي على الأراضي القطرية.