بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على وفاة عامل بريطاني أثناء مشاركته في أعمال بناء أحد ملاعب كأس العالم 2022 في قطر، لا تزال سلطات الدوحة تماطل في تقديم رد شاف بشأن ملابسات الحادث وتفسير ما وقع بالضبط.
لكن مع تزايد الحملات البريطانية المناهضة لاستضافة دويلة الحمدين بطولة كأس العالم 2022، اضطرت قطر مؤخرا إلى الموافقة على الإشراف القضائي البريطاني، على التحقيقات الجارية بشأن وفاة العامل.
وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها، أن المنظمة القطرية المسؤولة عن تنظيم كأس العالم 2022، وافقت أخيرا على إجراء تحقيق واسع النطاق بقيادة قاض بريطاني في وفاة عامل بريطاني أثناء بناء استاد لهذا الحدث.
ويُعتبر القرار، بعد قرابة 30 شهرا من وفاة زاك كوكس في يناير 2017، بمثابة انفراج للناشطين الذين انزعجوا من مشاكل الصحة والسلامة المحيطة بالملاعب، على الرغم من أنه يقترب نسبيًا من الانتهاء من الجزء الأكبر من أعمال البناء للبطولة.
وقال نشطاء إن هذا أول تحقيق معروف في وفاة محددة أثناء بناء ملاعب كأس العالم، حيث سيتم إجراء التحقيق بواسطة السير روبرت أكينهيد، وهو قاضي سابق بالمحكمة العليا يتمتع بخبرة في قانون البناء وحوادث المواقع الإنشائية.
وفي فبراير 2018، انتقد قاضي الوفيات البريطاني بشدة إجراءات السلامة في موقع الاستاد، وقال إن المعدات التي قدمت إلى كوكس لم تكن مناسبة لهذا الغرض.
وقالت شقيقتا كوكس، إيلا جوزيف وهيزيل مايز، في بيان إن الفترة التي انقضت منذ وفاته كانت "صعبة للغاية بالنسبة للأسرة"، وقد سُرّتا بقرار اللجنة العليا القطرية للتسليم والتراث.
قالوا: "أردنا التعرف على القرارات والظروف التي أدت إلى وفاته ومحاولة التأكد من أن الدروس المستفادة يمكن أن تمنع وقوع حوادث مماثلة أخرى في المستقبل".
وفقًا للبيان ، طُلب من أكينهيد "دراسة الأسباب الكامنة وراء وفاة زاك، والملابسات التي أدت إلى الوفاة، وعملية التحقيق في إجراءات الموت والسلامة التي تم تعلمها وتطبيقها منذ وقوع الحادث".
قالت العائلة إنها رحبت أيضًا بالتزام اللجنة القطرية بضمان "تعاون جميع الأطراف المعنية بشكل كامل مع هذا التحقيق المستقل". قالوا إنه ينبغي السماح لأكينهيد بالقيام بعمله "بالحكم الذاتي الكامل".
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن الفجوة الطويلة بين وفاة كوكس وإقامة التحقيق، تؤكد على حساسية القضية في قطر، واستمرار الأسرة في البحث عن إجابات أكثر اكتمالا عن كيفية وفاته.
وقُتل كوكس في استاد خليفة الدولي بعد سقوطه على ارتفاع 40 مترا من منصة معلقة، حيث كان يعمل من قبل مقاولا في جنوب أفريقيا لحساب شركة ألمانية.
ووقع الحادث بعد فشل معدات رفع الرافعة، مما تسبب في سقوط جزء من المنصة التي كان يعمل كوكس وزميل له.
وقالت المحققة في تحقيق كوكس، فيرونيكا هاميلتون - ديلي: "كان الكثير من المديرين يعرفون وكان عليهم أن يعلموا أنهم كانوا بحاجة فعلية لمجموعة من عمالهم للاعتماد على المعدات التي يمكن أن تكون قاتلة".
وقالت إن التغييرات التي أدخلت على تسريع تثبيت المنصة كانت "فوضوية، غير مهنية، وغير مفهومة وخطرة بكل تأكيد".
وقالت هاميلتون ديلي إن "العاصفة المثالية للأحداث" أدت إلى وفاة كوكس، بما في ذلك قرار المتعاقدين بتسريع بناء سقف الملعب، ما تطلبت هذه الخطوة استخدام رافعات ذراع إضافية.
وكانت إحدى المعلومات الهامة التي تم تقديمها في نهاية المطاف إلى لجنة التحقيق هي تقرير داخلي أعده المقاولون ولم يتم تقديمه رسميًا للعائلة. حصلت الأسرة على التقرير من خلال قنوات غير رسمية، وقالت إن الرافعات التي يستخدمها المقاولون لم يكن لديها شهادات أمان حديثة وأن نظام الصحة والسلامة لم يتبع.
كما ادعت شركة فايفير Pfeifer، إحدى شركات المقاولات الألمانية، والتي كان كوكس يعمل لديها، أن التقرير لم يكن رسميًا لأنه داخلي وبالتالي "غير ذي صلة".
وذكرت شركة فايفير في بيان لها: "لقد أرسلت فورًا جميع المعلومات الرسمية التي بحوزة الشركة إلى أسرة المتوفى، غير أن تقرير التحقيق الداخلي لا يُعد تقريرا رسميًا أجرته السلطات القطرية، وقد تم إبلاغ السلطات القطرية بجميع المعلومات".
وأضافت شركة فايفر أنها تتفهم مأساة وتسلسل القضية لأسرة المتوفى، وكانت على تواصل منتظم مع الأسرة. وقالت أيضًا إنها بالإضافة إلى تقديم الدعم وإيواء فانس في قطر، كانت قد غطت رسومه القانونية "بوصفه عملا فرديا ودعما شخصيا". وأيضًا أشارت إلى أن الموظفين لم تستجوبهم سلطات الادعاء القطرية أثناء القضية.
وقالت مايز إن التقرير الداخلي، الذي تم الانتهاء منه في غضون 11 يومًا من الحادث، "يعطي حقائق أكثر واقعية للحدث".
وتطرقت الجارديان إلى أحد الذين ظلموا في القضية، حيث قُبض على جراهام فانس، وهو مواطن جنوب أفريقي كان يعمل إلى جانب كوكس عندما سقط، في نفس اليوم، مؤكدة أنه لم يتمكن من مغادرة قطر لمدة 11 شهرًا حتى تم الانتهاء من التحقيق معه متن قبل الشرطة، والتي اضطرت في النهاية إلى تبرئته من أي تورط.
وقالت مايز لصحيفة الجارديان سابقًا: "لقد كنا في البداية مترددين في التقدم لأننا لم نكن نرغب مطلقًا في ممارسة أي ضغوط إضافية على جراهام، الذي اعتقدنا دائمًا أنه كان ضحية بريئة لهذه العملية".
وأضافت "معرفة أنه احتُجز بصورة غير مشروعة في قطر كانت محزنة للغاية. حيث كان قد شهد للتو وفاة زميله على مقربة، ويجب أن يكون مروعًا تمامًا لمدة 11 شهرًا".
وقالت اللجنة القطرية في بيان بعد الحكم الصادر عن قاضي التحقيق الجنائي في العام الماضي: "ساهمت العديد من الإخفاقات النظامية والأخطاء البشرية في هذا الحادث".
واعتبرت الصحيفة أنه لطالما كانت معاملة قطر للعمال المهاجرين بشكل أساسي من جنوب شرق آسيا مصدرًا للنق،د منذ أن فازت الدويلة الصغيرة بحق استضافة كأس العالم في ديسمبر 2010، فإن وفاة كوكس يجب أن تلقى المزيد من الاهتمام، لكشف حقوق العمال المهدرة.
يذكر أن تقرير الحادثة تم إنجازه من قبل قطر خلال 11 يوما من وفاة كوكس، ولم يتم منحه لعائلة العامل البريطاني، حيث طالبت عائلة كوكس بتحقيق دولي في الواقعة لتتم محاسبة المتسببين الحقيقيين في وفاته.
وذكر التقرير أن شهادة الطرف الثالث حول الرافعة قد انتهت قبل أشهر. وكشف التقرير أيضًا أن الضغط لتسريع بناء المنصات قد أدى إلى عدم فحص أدوات الرفع.
ولفتت الجارديان منذ عامين إلى أن السلطات القطرية حاولت تلفيق تهمة التسبب في سقوط الرافعة لأحد زملاء العامل البريطاني المتوفى، وهو المدعو "جراهام فانس"، حيث ألقت الشرطة القطرية القبض عليه عقب الحادث مباشرة وحاولت إلصاق تهمة التسبب بالحادث به وإصدار حكم بسجنه 3 سنوات على الأقل، غير أن التحقيقات أكدت براءته وتمكن في النهاية من العودة لوطنه جنوب أفريقيا بعد 10 أشهر من الاحتجاز في قطر، وصفها جراهام بـ"عام من الجحيم".
وأبرمت العقود الخاصة بجوانب مختلفة من أعمال بناء الملعب من خلال مشروع مشترك بين شركة ميدماك سيكس كونستروكت، وفايفير، وإيفرسنداي. وهنالك نزاع حول الشركة المسؤولة عن ضمان توافر شهادات السلامة.