انتقد تقرير أعده باحث أيرلندى محاولات النظام القطري المستمرة، للظهور وكأن الدوحة أكثر حداثة وليبرالية من جيرانها، مشيرا إلى أن ازدواجية قطر للجمع بين المحافظة والحداثة سينكشف في مونديال 2022.
ويواجه تنظيم الحمدين العديد من الانتقادات الدولية بسبب الملف الفاسد في استضافة مونديال العالم 2022، بعد الاتهامات الواضحة في استغلال أموال قطر الملوثة للحصول على حق الاستضافة، بالتوازي مع انتهاك حقوق العمالة الوافدة في دوحة العبودية، فضلا عن التنكيل بالمعارضة القطرية، وغياب الحريات عن الدويلة الخليجية التي لا تعرف الانتخابات الحرة.
وسلط الباحث الأيرلندي مايكل فولي، في تقرير له نشرته صحيفة "ذا إيريش تايمز" الأيرلندية، الضوء على محاولات الحكومة القطرية الأخيرة للظهور بأنها أكثر حداثة من جيرانها، في ظل استمرار المقاطعة العربية للعام الثاني بين الدوحة من جهة، وجيرانها في الرياض وأبو ظبي والمنامة إلى القاهرة من ناحية أخرى، بينما تظهر الدوحة وكأنها محافظة في مجالات أخرى، خاصة مع استعدادها لاستضافة مونديال 2022.
وأراد التقرير الأيرلندي إيصال رسالة للقارئ بأن قطر لن تستطيع أن تواصل لعبتها المزدوجة، التي تحاول من خلالها أن تخفي الطابع القمعي والتخريبي لنظامها الحاكم تحت ستار من الاعتدال الزائف، وذلك في سياق تحضيراتها لاستضافة النسخة المقبلة من بطولة كأس العالم 2022.
وتحدث الكاتب عن قرار قطر بزيادة الضريبة على سعر المشروبات الكحولية، لافتًا إلى أن هذا القرار يعد قليل الأهمية بالنسبة للإمارة الخليجية ذات الأغلبية المسلمة، حيث لا يتوفر الكحول إلا للمغتربين غير المسلمين في منفذ البيع واحد في البلاد، أو بعض الفنادق.
وكانت شركة قطر لتوزيع المشروبات الكحولية في البلاد، أعلنت أن سعر المشروبات الروحية ارتفع بنسبة 100% منذ بداية العام الحالى 2019، ثم أعلنت بعد أيام قليلة انخفاضها على خلفية فرض الدوحة لـ"ضريبة الخطيئة" على المشروبات الكحولية، الأمر الذى تسبب فى إثارة جدل واسع ووصفها النشطاء بالفنكوش.
وأشار الكاتب إلى أنه رغم فرض تنظيم الحمدين ضريبة الخطيئة على المشروبات الكحولية، إلا أن الدوحة أعلنت عن إتاحة المشروبات الكحولية في مناطق المشجعين خلال استضافة مونديال 2022.
وأوضح فولي أن قطر تسعى للمزج بين المحافظة والحداثة؛ فهي تتحرك إلى الأمام ثم تنتقل للخلف، ظاهريًا، إذ تمارس قوتها الدبلوماسية الناعمة بخبرة، ففي الأسابيع الأخيرة، كانت تمول رواتب الموظفين في غزة وتقدم المساعدة في تمويل الاقتصاد اللبناني المهدر.
واعتبر أن الدويلة المعزولة "تتأرجح وتتذبذب" بين التشدد وانعدام حرية التعبير من جهة والتظاهر بالاعتدال والديمقراطية من جهةٍ أخرى، رغم محاولاتها المستميتة لإيهام المجتمع الدولي بأنها الدولة الأكثر ليبرالية وحداثة في منطقة الخليج، وهو الأمر الذي يكذبه الواقع ويظهر جليا للمقيمين في قطر.
وألمح التقرير إلى أن النظام القطري يقدم كل ما يستطيع من تنازلاتٍ لتحقيق هذا الهدف، من قبيل التعهد بالسماح لعشاق كرة القدم من مشجعي المنتخبات الكروية باحتساء الخمور خلال فترة إقامة المونديال أواخر 2022، رغم أن ذلك سيشكل صدمة للمجتمع القطري المحافظ، لما سيصاحبه بالقطع من مظاهر سكر وعربدة ينخرط فيها المشجعون في شوارع قطر.
فولي لم ينس في تقريره تسليط الضوء على استخدام نظام الحمدين لقناة الجزيرة، لإظهار أن قطر تدعم قيم الديمقراطية وحرية التعبير في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الصورة الكاذبة تتكشف، حين يعلم المرء أن قطر تحتل المركز الـ125 على مؤشر حرية الصحافة في العالم، والذي تعده منظمة «مراسلون بلا حدود» سنويا، وذلك بعد دول مثل أوغندا ومالي والجابون ونيبال وبوتان وسيشل.
وأكدت الصحيفة الأيرلندية في تقريرها أن السلطات القطرية تفرض قيودا ورقابة صارمة على وسائل الإعلام العاملة في الدويلة الصغيرة، موضحة أن قناة الجزيرة التي تزعم امتلاكها لقدرات هائلة في مجال التحقيقات التلفزيونية، نادرا ما تستخدم هذه الإمكانيات على أرض قطر.
كما سلط الكاتب الضوء على محاولات حكام الدوحة البائسة لتحسين صورتهم المتدهورة في مجال حرية الإعلام، عبر إنفاق أموال ضخمة على المؤسسات التعليمية الغربية الكبرى - المتخصصة في الدراسات المتعلقة بهذا المجال - لإغرائها بإقامة فروع لها في قطر، مثل كلية ميديل للصحافة التابعة لجامعة نورث ويسترن، التي يوجد مقر لها في الدوحة تحت مسمى "المدينة التعليمية"، حيث تجاور 5 جامعات أمريكية أخرى، تمول بالكامل من حكومة تميم.
ولفت فولي إلى أن تنظيم الحمدين، إلى أنه بيانات وزارة التعليم الأمريكية أواخر العام الماضي، كشف أن الدوحة دفعت مليار دولار لجامعات مرموقة في الولايات المتحدة منذ عام 2011، وذلك ضمن حملة السيطرة والتأثير على الدوائر السياسية والأكاديمية هناك.
وأكد التقرير أن تنظيم الحمدين يستخدم أسلوبا دعائيا ساذجا، للزعم بأن شعبية حاكمه في تزايد، رغم العزلة الخانقة التي يعاني منها، حيث ترى صور تميم في كل مكان في البلاد، ما أثار سخرية الكاتب واصفا بأنها "باتت تحجب الأفق والسماء في الدوحة"، إذ توضع على الزجاج الخلفي لكل السيارات، بل وتقريبا على أي سلعة استهلاكية.
الكاتب الأيرلندي تطرق أيضا إلى محاولات الحكم السلطوي في قطر لإضفاء طابع حداثي زائف على المجتمع تصطدم بالتيارات المتشددة والمحافظة بشدة فيه، وهو ما تجسد في موجة الغضب العارم التي اندلعت قبل أشهر في العاصمة القطرية، جراء قرار بنصب 14 تمثالا ضخما، نحتت بتكليف من شقيقة حاكم قطر الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، أمام مستشفى ومركز أبحاث السدرة في ضواحي المدينة.
وقالت الصحيفة الأيرلندية إن نحت هذه التماثيل كلف ميزانية الدويلة الصغيرة 20 مليون دولار على الأقل، حيث أسند للمثال البريطاني الشهير دميان هيرست، المعروف بأعماله غريبة الأطوار، مشيرة إلى أن هذه الخطوة التي قام بها النظام القطري وصفتها وسائل الإعلام الغربية بأنها محاولة من جانب نظام الحمدين لشق طريقه عنوة بالمال وعلى نحو عدواني نحو التطور والحداثة.
وأبى الباحث فولي أن يختتم تقريره الذي يفضح ممارسات حكام قطر، إلا أن يكشف عن ممارسات العبودية الحديثة التي يمارسها القطريون بحق العمالة الأجنبية القادمة من دول آسيوية فقيرة، للمشاركة في تشييد مرافق مونديال 2022، داعيا إلى التنبه للسجل القطري الأسود في هذا المضمار منذ عقود طويلة.
وأكد أنه رغم أن العبودية بمفهومها التقليدى لم تلغ في هذا البلد سوى عام 1952، بضغوط مارستها الحكومة البريطانية، باعتبار أن شركات النفط الإنجليزية كانت تستخدم الرقيق في مشروعات التنقيب عن البترول، إلا أن النظام القطري ما زال يمارس العبودية لكن بشكل حديث، من خلال الاستغلال القطري الوحشي للبشر القادمين من دول أخرى للعمل.
وأشارت "ذا إيريش تايمز" إلى أنه على الرغم مما يقوله النظام القطري من أنه أدخل إصلاحات على قوانين العمل للحيلولة دون احتياج العمال لتصاريح من الجهات المشغلة لهم لمغادرة البلاد، فإن ذلك لا يمتد إلى الآلاف من العمالة المنزلية، ممن يعانون من القيود المفروضة على تحركاتهم، ومن الانتهاكات البدنية والمعنوية كذلك.