المركز الأوروبي لحقوق الإنسان: عمال قطر في ظروف استغلالية للغاية

  • قطر تحرم العمال من حقوقهم

ارتكب تنظيم  الحمدين انتهاكات جسيمة في حق العمالة الوافدة، التي استعانت بهم قطر لتنفيذ مشروعات وبناء ملاعب كأس العالم 2022.

رصد المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان معاناة العمال المهاجرين في قطر، ونشر تقرير مبني على مقابلات أجراها المركز  مع حوالي 60 من العمال المهاجرين الحاليين والسابقين، معظمهم في قطاعي التشييد والضيافة، فضلا عن عدد من المحققين والنشطاء والصحفيين وأعضاء المجتمع المدني. 

وأكد المركز في تقريره: واجهت تحقيقاتنا في قطر، كبلد قائم على العمال المهاجرين، وفي دول المنشأ، مثل باكستان ونيبال والهند، صعوبات في جمع الأدلة الجنائية. في دول المنشأ، كان من الصعب العثور على العمال المهاجرين الذين احتفظوا بوثائق ذات صلة لإثبات تاريخ عملهم وظروفهم، مثل قسائم الأجور والعقود وإيصالات رسوم الاستقدام، وما إلى ذلك. في قطر، على النقيض من ذلك، منع الخوف من فقدان العمل العديد من العمال من التحدث ضد الشركات قيد التحقيق.

وتابع: في إحدى الحالات، فتّش ضباط أمن الشركات المقهى حيث كنا نُجري مقابلات مع عمال مهاجرين، والذين تملّكهم القلق وامتنعوا عن مناقشة وضعهم. فيما بعد تراجع آخرون عن شهاداتهم.

ثم عدد ما توصل إلىه في نقط كان أهمها:

أولًا: إساءة المعاملة

أكدت النتائج التي توصلنا إليها أن المشاكل الخطيرة، كما هو موضح في تقارير عديدة من منظمات المجتمع المدني وصحفيي التحقيق وهيئات الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، ما زالت قائمة، وأن بعض الظروف تسمح باستمرار هذه الانتهاكات.

وجدنا المشاكل الرئيسية التالية؛ التجاوزات التي ييسرها اعتماد العمال المهاجرين الشديد على أصحاب العمل والتوظيف، والظروف الهيكلية التي تسمح باستمرار هذه التجاوزات.

1. الرسوم غير القانونية والفساد

من بين العمال الذين تمت مقابلتهم، دفع العديد منهم رسوم توظيف عالية. على سبيل المثال، دفع حارس أمني من بنغلاديش، يحصل الآن على راتب 280 يورو شهريًا، رسم توظيف قدره 3525 يورو. في بعض الأحيان، يتعين على أرباب العمل والعمال المهاجرين أن يدفعوا، قال: "أعتقد أن [الشركة] تدفع ثمن التأشيرة والطيران، لكن الوكيل يتقاضى مالًا من كلا الجانبين".

غالبًا ما يدفع العمال المهاجرون رسوم توظيف عالية، بما في ذلك رسوم التأشيرة والفحوص الطبية، حتى لو كانت هذه الرسوم غير قانونية في العديد من دول المنشأ ودول الوجهة مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر. وكلاء التوظيف والوكلاء الفرعيين في العديد من المستويات - من العاصمة إلى القرى - يطلبون نصيبهم والفساد هو ما يُسهل ذلك. في نهاية المطاف، ينتهي الأمر بالعمال، وليس أصحاب العمل، بدفع جميع رسوم التوظيف.

ما يزيد من دفع الرسوم هو "تجارة" بيع خطابات طلب العمالة والتأشيرات، والتي يتم بيعها من قبل وكلاء يعملون في الخليج إلى وكالات التوظيف في دول المنشأ، وهي ممارسة غير قانونية وفقًا للقوانين في العديد من دول الخليج.

هناك أيضًا ممارسة "تأشيرة حرة"، التي تنطوي على إعادة بيع تأشيرات بدون كفيل، حتى يجد العامل وظيفته بشكل مستقل ويدفع رسومًا شهرية إلى البائع الذي أعطاه التأشيرة. لا يتحمل صاحب العمل أي مسؤولية عن العامل ويبلغ عن "فراره" في حالة حدوث مشكلة، مما يترك العمال المهاجرين في وضع ضعيف للغاية.

2. الديون وأسعار الفائدة المرتفعة

لدفع هذه الرسوم، يبيع العديد من العمال أراضيهم أو ما يملكونه من ممتلكات قليلة، أو يحصلون على قروض لدى البنوك المحلية أو مقرضي الأموال، وغالبًا بأسعار فائدة باهظة. على سبيل المثال، ذكر أحد العمال من بنغلاديش: "لكل 100 ألف تاكا (العملة البنغالية) [يُعادل 1050 يورو] علينا دفع 30 ألف فائدة". 

نتيجة لذلك، يصلون في كثير من الأحيان وهم مُثقلين بديون كبيرة في بلد المقصد حيث لا يعرفون اللغة أو السياق المحلي أو العادات أو حقوقهم. قال عامل مهاجر من كينيا كان قد حصل على قرض بمعدل فائدة 50% لدفع رسوم الاستقدام: "ما زلت أقوم بسداد القرض لأن فوائده مرتفعة. عليّ أن أهتم بأسرتي وأن أدفع رسوم مدارسهم وإيجار المنزل. أتحدث إليه أحيانًا [الشخص الذي أقرضه] عندما لا أملك المال ليؤجل الدفع. ما زلت أدفع وكلما تأخرت في السداد ازدادت الفوائد".

3. قيود على الحركة

في حين يبدو أن المصادرة غير القانونية لجوازات السفر من قِبل أصحاب العمل في قطر قد انخفضت في بعض الحالات على مدى السنوات الماضية، على الأقل في مواقع البناء ذات الصلة بالفيفا، وجدنا أن التأخير وحجز أوراق الإقامة القانونية يستمران، وأحيانًا لمدة 18 شهرًا أو أكثر. 

بدون وثائق قانونية في البلاد، تقتصر حركة العمال على معسكرات الإقامة الخاصة بهم، خوفا من عمليات تفتيش الشرطة في الشوارع التي قد تؤدي إلى الاعتقال أو الاحتجاز أو الإساءة أو فرض غرامة أو حتى الأمر بترحيلهم.

4. تغيير العقد

كان تغيير العقد والخداع شكوى شائعة بين العمال المهاجرين الذين تمت مقابلتهم. وكثيرًا ما يوعد العمال المهاجرون بعمل معين، لكن بمجرد وصولهم إلى بلد المقصد، يُجبرون على العمل في وظيفة مختلفة ليسوا مُدربين عليها، أو في كثير من الحالات، يتلقون رواتب أقل من نصف الراتب الذي وعدوا به خلال التوظيف.

في بعض الأحيان، قد يختلف الموقع الجغرافي، وليس فقط طبيعة العمل، بشكل كامل عن الموقع المرسل إليهم أثناء التوظيف. في أحد الأمثلة، انتهى العمال المهاجرون الذين كان من المفترض أن يعملوا في البناء إلى رعي الإبل في الصحراء.

في حالة أخرى، أفاد عامل بنغلاديشي: "أخبرني الوكيل بأنني سأحصل على 1200 ريال قطري كراتب أساسي، وسيتم الاهتمام بالغذاء والسكن. حصلت على العقد في المطار قبل ساعات قليلة من الصعود إلى الطائرة ووجدت الراتب 600 ريال + 200 ريال بدل طعام. قال الوكيل: إذا كنت تريد أن تذهب خذه، إن لم يكت اتركه. لم يكن لدي خيار، لقد دفعت الكثير بالفعل. كُنت مُجبرًا على الصعود إلى الطائرة".

كثيرًا ما يقبل العمال هذه التغييرات في آخر لحظة لأن تأشيراتهم غالبًا ما تكون صالحة فقط لصاحب عمل معين، وبدون عمل، سيفقدون تأشيراتهم، وبدون تأشيرة يخاطرون بالاحتجاز أو الترحيل أو الاضطرار إلى العودة إلى أسرهم خاليين الوفاض إلا من الديون.

5. عدم القدرة على تغيير صاحب العمل

في معظم دول الخليج، يعتمد العمال بشكل كامل على أصحاب العمل الذين يرعون تأشيراتهم وتصاريح إقامتهم. لتغيير صاحب العمل، يحتاج العمال المهاجرون إلى موافقة صاحب العمل في شكل "شهادة عدم ممانعة" (NOC)، والتي يمكن لأصحاب العمل حجبها دون مبرر.

ذكر أحد العمال المهاجرين الذين تمت مقابلتهم: "أريد أن أغيّر وظيفتي لكنهم لا يقدمون شهادة عدم الممانعة. يجب عليك الخروج والعودة إلى بلادك ثم العودة على نفقتك الخاصة".

6. الرواتب

غالبًا ما تتأخر رواتب العمال المهاجرين ويُدفع لهم بعد استقطاعها بصورة غير قانونية. هذا أمر يسبب لهم الأزمات بشكلٍ خاص لأن العمال غالبًا ما يعتمدون على هذه الرواتب في الدعم الشهري لعائلاتهم بأكملها وأطفالهم في أوطانهم. 

علاوة على ذلك، قد يُسبب عدم سداد ديونهم العالقة في عقوبات من مقرضي الأموال. في بعض الحالات، أثار العاملون مخاوف من أن يتم إيداع المرتبات في حساب مصرفي في قطر، بينما يحتفظ المديرون ببطاقات الخصم/السحب الآلي، بما لا يسمح لهم بالسيطرة على سحب رواتبهم. 

هذا أمر غير قانوني بموجب نظام حماية الأجور في قطر، والذي ينبغي تنفيذه بفعالية، لضمان دفع أجور العمال في الوقت المناسب في حساب مصرفي يسيطرون عليه، مع تصعيد الأمر مع أرباب العمل الذين لا يلتزمون بذلك.

إذا غادر العامل دون موافقة صاحب العمل، فإنه يعتبر"هاربًا" ويمكن أن يُتهم جنائيًا  ويخاطر بالاحتجاز والترحيل، بل وقد يوضع على القائمة السوداء، مما يُقلل فرصه في العمل مرة أخرى لدى نفس صاحب العمل أو صاحب عمل آخر. 

7. الصحة والسلامة

مخاطر الصحة والسلامة سيئة السمعة في قطاع البناء. بفضل الاهتمام الدولي المتزايد بقطر منذ ديسمبر 2010 عندما تم منحها حق استضافة كأس العالم 2022. منذ العام 2017، تم الإبلاغ عن إدخال تحسينات في مواقع البناء ذات الصلة بالفيفا. يعمل ما يزيد قليلا عن 25 ألف عامل في هذه المواقع، أقل من 2% من إجمالي العمال المهاجرين في قطر. فيما يتعلق بمواقع العمل الأخرى، حيث يعمل الـ 98% المتبقين، تستمر مجموعات مثل "Lawyers Beyond Borders" في الإبلاغ عن حوادث عمل خطيرة تتسبب في أضرار مادية دائمة وتمنع قدرة الأفراد على العمل.

كما تواصل منصات التواصل غير الرسمية التي يستخدمها المجتمع المدني والنشطاء النقابيون والإعلاميون الإبلاغ عن حالات إساءة في الصحة والسلامة.

8. حالات الوفاة

تم الإبلاغ بشكل متكرر عن حالات عمال بناء كانوا أصحاء ويتمتعون بصحة جيدة وماتوا أثناء العمل في مواقع البناء في قطر. في قطر، لم يتم تفسير ما لا يقل عن 75% من هذه الوفيات رسميًا. وجد تقرير صدر عام 2014 بتكليف من الحكومة القطرية أن عدد الوفيات التي ينسبها العاملون إلى "السكتة القلبية"، وهو مصطلح عام لا يحدد سبب الوفاة، كان "مرتفعًا على ما يبدو"، وأوصى بأن تقوم السلطات القطرية بإصلاح قوانين الدولة للسماح بإجراء تحقيقات سليمة وعمليات التشريح أو فحوصات ما بعد الوفاة في حالات "الوفيات المفاجئة أو غير المتوقعة".

ومع ذلك، لم تُنفّذ هذه الإصلاحات بعد.

كما أن المناخ في الخليج، حيث أشعة الشمس المُباشرة ودرجات الحرارة والرطوبة العالية، يمكن أن يُعرِّض العمال في الأماكن المفتوحة إلى مستويات عالية من الإجهاد الحراري، والذي قد يُسبب وفيات بين العمال لعدم كفاية الحماية من المناخ، لكن هناك حاجة لدراسات إضافية لدراسة هذه الصلة المحتملة.

ثانيًا: الأوضاع التي تسمح باستمرار هذه الانتهاكات

1. غياب النقابات العمالية

يُحظر على العمال الانضمام إلى نقابات عمالية أو تشكيلها في قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيثما تسمح القوانين المحلية بتشكيلمثل تلك الكيانات، لكن كثيرًا ما يستثني العمال المهاجرون بموجب القانون. هذا يعني أن الكثير من العمال يفتقرون إلى القدرة على الحصول على معلومات حول حقوقهم في بلد المقصد، بالإضافة إلى المشورة القانونية والتدريب ودعم نقابي للشكاوى. 

كشفت المقابلات أيضًا أن وكالات التوظيف تنصح صراحة في بعض الأحيان العمال المهاجرين بعدم الانضمام إلى نقابات أو لجان عمالية، مُحذرة إياهم من احتمال ترحيلهم أو احتجازهم بسبب قيامهم بذلك.

2. المعايير المزدوجة وعدم وجود سبل فعالة للإنفاذ والتطبيق

في العام 2014، أصدرت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في الحكومة القطرية معايير كفالة العمال التي تنطبق على الشركات المشاركة في بناء مواقع كأس العالم

لدعم رفاهية العمال وتوفير مكان للشكاوى العمالية، أنشأت اللجنة منتديات رعاية للعمال إلى جانب خط ساخن للتظلم، وتدريبات للعاملين. بالتعاون مع الاتحاد العالمي لعمال البناء والأخشاب (BWI)، يتم القيام بعمليات تفتيش مشتركة على أساس منتظم حول مشاريع اللجنة العليا. 

أعلنت اللجنة العليا أن المتعاقدين المشاركين في مشاريع الفيفا قد وافقوا على تعويض العمال عن رسوم توظفيهم. ومع ذلك، وكما أشير، لا تغطي هذه الإجراءات سوى 2% من جميع العمال المهاجرين في البلاد. لذا، نرى معيارًا مزدوجًا في العمل في قطر بين العدد الصغير من المواقع التي تُسلّط عليها حاليًا الأضواء العالمية، وجميع المواقع الأخرى. 

في المقابل، لا يرى العمال الذين تمت مقابلتهم في هذا البحث أي سبل انتصاف متاحة وفعالة متاحة، سواء بسبب نقص المعلومات أو قلة الوقت أو انعدام الثقة في الآليات القائمة لحل مشاكلهم. 

لا يلتزم أصحاب العمل بعهودهم بحل الأزمة بسبب عدم إنفاذ من قِبل الدولة. كان هذا هو حال "ك"، وهو عامل هندي فقد أربعة أصابع في يده اليمنى في حادث عمل في دولة الإمارات العربية المتحدة. ذهب إلى المحكمة، وفاز في دعوى عمل ضد صاحب عمله، لكنه لا يزال يظل تعويضًا متضاربًا بسبب عدم تنفيذ الحكم.

يواجه العمال المنزليون، ومعظمهم من النساء، وضعًا أكثر صعوبة من حيث التعرض للإساءة والاستغلال، حيث يستثني قانون العمل الجديد في قطر صراحة عاملات المنازل من نطاقه.

بالإضافة إلى انتهاكات العمل، يواجه العديد من عاملي المنازل للاعتداء الجسدي والجنسي، تتقلص قدرتهم على الوصول إلى المعلومات والدعم والعلاج بشكل خاص، لأنهم عادةّ يعيشون في أماكن خاضعة لسيطرة لأصحاب العمل، مع عدم وجود أي حرية في الحركة، ولا وقت فراغ، علاوة على تقييد وصولهم إلى الهاتف والإنترنت. 

كخطوة إيجابية في أبريل 2018 ، افتتحت منظمة العمل الدولية مكتبًا في قطر للعمل مع الحكومة وأصحاب المصلحة الآخرين لتحسين ظروف التوظيف وممارساته للعمال المهاجرين وضمان دفع الأجور في الوقت المناسب، وتعزيز تفتيش العمل ومعايير السلامة والصحة المهنية، وتعزيز الحماية من العمل القسري وإعطاء العمال صوتًا في المسائل المتعلقة بالعمل.

3. الفساد في سلسلة التوظيف

أكدت الدراسات والمقابلات مع الخبراء بشأن الهجرة من نيبال والفلبين والولايات المتحدة والهند أن الفساد وما يسمى بـ "الرشاوى" ينتشر على نطاق واسع على طول دورة توظيف العمال المهاجرين، من إدارات الموارد البشرية وأرباب العمل وحتى الوكالات الحكومية ووكالات التوظيف المحلية. 

الفساد لا يزيد من العبء المالي للعمال فحسب، بل يُضعف أيضًا هياكل المساءلة والوصول إلى العدالة.  باختصار، هناك عدد من العناصر تعمل معا لوضع العمال المهاجرين في ظروف استغلالية للغاية. تضمن الظروف الأساسية استمرار الوضع دون تغيير.

إقرأ أيضًا
ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال: الدوحة مولت الإخوان في هولندا والاستخبارات حذرت من خطرهم

ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال: الدوحة مولت الإخوان في هولندا والاستخبارات حذرت من خطرهم

خلال الأعوام التالية لـ2008، بات واضحًا تركيز استراتيجية الإخوان على المدن الكبيرة، وخاصة أمستردام وروتردام؛ إذ ركزت الجماعة على الهولنديين الذين اعتنقوا الإسلام والجيل الثالث من المسلمين

ضاحي خلفان: إخوان اليمن يستمدون فتاوى الهجمات الانتحارية من القرضاوي

ضاحي خلفان: إخوان اليمن يستمدون فتاوى الهجمات الانتحارية من القرضاوي

تاريخ القرضاوي ملء بالفتاوى العدوانية الشاذة ومنها أنه أفتى بالقتال ضد القوات المسلحة والشرطة في مصر ووصف مؤيدي ثورة 30 يونيو بالخوارج