جاء إغلاق مركز الدوحة لحرية الرأي من قبل عصابة الحمدين، دون توضيح الأسباب من قبل مديره أو القائمين عليه في بيان رسمي كما هو متعارف عليه في مثل هذه الأوضاع، مناقضا لأهمية المركز التي روّجت لها السلطات القطرية منذ إطلاقه في أكتوبر 2008، بأنه "المركز الدولي الأول من نوعه الذي يتأسس في دولة غير غربية"، ويعمل لخدمة حرية الصحافة والتعبير في قطر والشرق الأوسط والعالم.
الشبكة العالمية للدفاع عن حرية التعبير IFEX، فضحت ممارسات عصابة الدوحة، وكشفت التعسف القطري في إغلاق مركز الدوحة لحرية الرأي، بعدما حوله نظام تميم لإحدى أدواته الدعائية، بدلا من أن يدافع عن حرية الرأي.
وذكرت الشبكة العالمية أنه في 16 أبريل الماضي 2019، أغلقت السلطات القطرية بشكل تعسفي مركز الدوحة لحرية الإعلام، وبالتالي إلغاء عقود العمل لموظفيه والصحفيين دون إشعار مسبق ودون أي تعويض يتناسب مع عدد سنوات عملهم.
وتوقف موقع المركز عن العمل حيث تظهر رسالة على صدر الموقع جاء فيها: "يعرب فريق مركز الدوحة لحرية الإعلام عن خالص امتنانه لجميع الشركاء والمتعاونين الذين دعموا مهمته على مر السنين".
وتأسس مركز الدوحة لحرية الإعلام في أكتوبر عام 2008، بتمويل كامل من الحكومة القطرية، مما أدى إلى فرض قيود كبيرة على تغطيته المهنية للانتهاكات الحقوقية ضد الصحفيين، بما في ذلك انتهاكات حرية الإعلام في قطر وباقي دول الخليج.
وسبق أن أدار المركز العديد من البرامج، بما في ذلك المساعدة الطارئة للصحفيين وبرنامج تدريبي أيضا. وكان موقعه الإلكتروني متاحًا أيضًا باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
ونشر المركز أيضا العديد من التقارير الإعلامية، التي تتوافق مع التوجيهات التي وضعتها السلطات العليا في قطر، ما عمل على تحويلها إلى أداة دعائية للدولة بدلا من أن يكون مدافعا حقيقيا عن الحقوق بما في ذلك حرية التعبير وحرية الصحافة، في منطقة تشهد هجومًا عنيفًا على الحريات العامة ومقتل عدد أكبر من الصحفيين، في حين أن مرتكبي هذه الجرائم لم تتم محاكمتهم في معظم القضايا.
وكشف مركز الخليج لحقوق الإنسان، أن عصابة الحمدين كانت معرضة للتهديد، بسبب وجود مركز يدعي على ما يبدو أنه يدافع عن حرية وسائل الإعلام، لذا قامت بإغلاقه للسيطرة الكاملة على وسائل الإعلام في قطر، على الرغم من عدم وجود تنوع الآراء.
ودعا مركز الخليج لحقوق الإنسان، رغم تحفظاته العديدة على استقلالية مركز الدوحة، السلطات في قطر لضمان تعويض جميع العاملين والصحفيين بالمركز بالشكل المناسب بعد فقدانهم لوظائفهم، ومعظمهم أجانب وبعضهم لديه أسر وأطفال في المدرسة، ومع عدم وجود فرص عمل أخرى سيكون عليهم مغادرة البلاد.
ويدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان أيضا السلطات القطرية للسماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بشكل مستقل داخل البلاد.
ويستغل مركز الخليج هذه الفرصة لحث السلطات في قطر على ضمان قيام المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين بعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان دون خوف من الانتقام ودون أي قيود، بما في ذلك المضايقة القضائية.
ويأتي إغلاق المركز بهذه الطريقة دون توضيح الأسباب من قبل مديره أو القائمين عليه في بيان رسمي كما هو متعارف عليه في مثل هذه الأوضاع، مناقضا لأهمية المركز التي روّجت لها السلطات القطرية منذ إطلاقه في أكتوبر 2008، بأنه "المركز الدولي الأول من نوعه الذي يتأسس في دولة غير غربية، ويعمل لخدمة حرية الصحافة والتعبير في قطر والشرق الأوسط والعالم."
ويبدو أن المركز لم يحقق الغاية المرجوّة منه ولم يترك التأثير المطلوب، رغم تجنيد صحفيين للعمل فيه من دول عربية وأجنبية متعددة، فأضحى بالنسبة للسلطات مضيعة للمال والجهد والوقت، خصوصا وأنه بعد فترة قصيرة على تأسيسه بدأت المشكلات تتفاقم بين مؤسسيه والمسؤولين القطريين الذي “لم يقبلوا يوما بمركز مستقل له الحرية في التعبير عن مواقفه بعيدا عن أي اعتبارات سياسية”، وفق ما ذكر روبير مينار الذي كان أول مدير له.
وكان هدف المركز الأساسي الترويج لحريّة الصحافة في مختلف أنحاء العالم وتأمين ملاذ للصحفيين المهدَّدين. لكنه نادراً ما غطى أخبار قطر.
وذكرت تقارير سابقة لوزارة الخارجية الأمريكية أنّ الصحافة القطرية تمارس الرقابة الذاتية بصورة روتينية، لذلك عمل المركز في بيئة منافية عمليّا لحرية التعبير والصحافة.
ويرى متابعون أن الدوحة تريد التركيز على حرب واحدة، فقناة الجزيرة هي الواجهة الإعلامية لقطر، والدوحة بحاجة إلى منع التشتت ودفع كل جهودها باتجاه الجزيرة التي تكلفها الكثير ماليّا ومعنويّا، لا سيما مع تراجع تأثيرها ونسب مشاهدتها في الدول العربية.
وكان موقع المركز الإلكتروني، قبل إغلاقه متوفرا، باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. بالإضافة إلى تغطية نشاطات المركز، واستعراض أخر مستجدات عالم الصحافة، إلى جانب نشر تقارير استقصائية عن حرية الإعلام والتعبير حول العالم، دون التطرّق إلى أوضاع الصحافة في قطر.
وقال المركز عن مهمته بأنه يوفّر لحرية الإعلام برنامج المساعدة في حالات الطوارئ "مساعدة مباشرة ضمن نطاق إمكانياته للصحافيين في حاجة عاجلة طرأت نتيجة أدائهم مهنتهم. ويساعد فريق برنامج المساعدة في حالات الطوارئ الصحافيين المحترفين على إيجاد حلول مستدامة ليعودوا إلى عملهم في أقرب وقت ممكن عبر تقديم المشورة وإدارة حملات التوعية، بالإضافة إلى توفير الموارد المادية."
لكن خلف عبارات التسويق لأنشطته والترويج لدعمه حرية الصحافة والصحفيين بكافة الأشكال، كان هناك حقيقة أخرى بأن المسؤولين القطريين لم يكونوا يولون أهمية كبرى لقيم الصحافة الحرة، وأن المطلوب من المركز هو خدمة أجندة سياسية فقط، ما يظهر في تغريدة الإعلامي القطري جاسم سلمان، على حسابه في تويتر، قائلا إن فكرة المركز "كانت رائعة لكنه كان بحاجة لتفعيل حقيقي، خصوصا في أزمة قطر ومقتل خاشقجي على سبيل المثال لا الحصر".
أضاف جاسم سلمان، نائب مدير تحرير جريدة الشرق القطرية، "أن الأزمات في الوقت الحالي تحتاج إلى إعلام قويّ وسلاح أكبر لمواجهتها."
وكانت السلطات القطرية ذكرت أن إنشاء مركز الدوحة لحرية الإعلام، في ديسمبر 2007 بهدف تحديد الانتهاكات ضد حرية الإعلام، والدفاع عن حرية الصحافة، لضمان حق كل إنسان في التمتع بحرية التعبير والإعلام.
لكن لم يمض عامان حتى أعلن الناشط الفرنسي روبير مينار عن استقالته من إدارة المركز "بسبب انعدام الحرية." وذكر مينار وهو أيضا مؤسس منظمة "مراسلون بلا حدود"، في بيان أصدره "أن المركز يختنق، لم تعد لدينا الحرية ولا سبل العمل،" مضيفا أنه غادر المنظمة مع فريقه.
وشكا مينار من تحفظ بعض المسؤولين عن حرية المركز، ذاكرا بصورة خاصة رئيس مجلس إدارة المركز، وقتها، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، وقال في بيانه إن هؤلاء لم يقبلوا يوما بفكرة منحنا الاستقلالية وحرية الكلام، ولم يتوقفوا عن وضع العراقيل أمامنا، وبذلك كانوا يخالفون الالتزامات المقطوعة."
وفي ديسمبر 2013 أنهت السلطات القطرية مهام مدير المركز الهولندي يان كولن، دون ذكر الأسباب أيضا، لكن كولن كان قد سبق له توجيه نقد لاذع للصحافة القطرية أغضبت العديدين في الدوحة.
وكان يان قد عيّن على رأس المركز في 2011، خلفا لمينار، وقال كولن نفسه إنه لا يعرف سبب إعفائه من منصبه، وفق ما أكد في حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وكتب "ما زال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها في ما يتعلق بالطريقة التي سُرّحت بها من منصبي."
ويدرك غالبية الكتّاب والصحافيين القطريين الهامش الضيق المتاح لهم بنقد السلطات والعمل الحكومي، دون المس بالأسرة الحاكمة والفساد بأي طريقة نقد بنّاء من أجل مصلحة البلاد.
وسبق وأن عوقب الصحفي القطري فرج مزهر الشمري، المرشح السابق للمجلس البلدي، على معارضته للسلطات بتجريده من الجنسية ومن أملاكه ونفيه خارج البلاد. بعدما كتب مقالا بعنوان "عين عذارى" يطالب فيه بتخفيض الرسوم والضرائب على القطريين، وذلك في عموده الصحفي الذي كان يحمل عنوان "البُعد الرابع"، في صحيفة الراية القطرية.
وجرت هذه الأحداث في ظل ضوضاء نشرتها قناة الجزيرة القطرية ومسؤولون بقطر حول ضرورة نشر الحريات بلا حدود في المنطقة.