بدأت وزارة التعليم الأمريكية في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجامعات التي لا يمكنها الكشف عن التبرعات والعقود من الحكومات الأجنبية، من أجل إعطاء مزيد من التدقيق للتمويل، الذي امتد إلى مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة من بلدان غالباً ما تتناقض سياساتها مع السياسات الأمريكية لكنها حريصة على استغلال ألمع العقول في البلاد.
وأعلنت الوزارة هذا الصيف أنها تحقق فيما إذا كانت جامعات جورج تاون وتكساس إيه آند إم وكورنيل وروتجرز تمتثل امتثالا كاملا للقانون الفيدرالي الذي يتطلب من الكليات الإبلاغ عن جميع الهدايا والعقود من مصادر أجنبية التي تتجاوز قيمتها 250 ألف دولار.
وفي الرسائل المرسلة إلى الجامعات في يوليو، كتب مسؤولو الوزارة أنهم يبحثون عن سجلات تعود إلى تسع سنوات، تحدد الاتفاقيات والاتصالات والمعاملات المالية مع الكيانات والحكومات في دول مثل الصين وقطر وروسيا.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز، أنه كان من المتوقع أن تقوم المدارس هذا الشهر بتسليم الآلاف من السجلات التي يمكن أن تكشف عن ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية لعمليات الحرم الجامعي في الخارج، والبحث الأكاديمي، والشراكات الثقافية والأكاديمية الأخرى.
وأشارت الصحيفة التي انضمت للحملة المناهضة للتمويل القطري الذي يغزو التعليم في أمريكا، إلى أن ليز هيل، المتحدثة باسم الوزارة قالت: "إن اهتمامنا الأكبر هو الشفافية".
وأضافت "نتوقع من الكليات والجامعات تقديم معلومات كاملة ودقيقة وشفافة عند الإبلاغ عن الهدايا والعقود الأجنبية. أمننا القومي يعتمد على الشفافية، وهو أمر مطلوب بموجب القانون"، مبينة أن الوزارة تتوقع من المؤسسات أن تأخذ التزاماتها في إعداد التقارير على محمل الجد.
وتأتي هذه الحملة وسط زيادة التدقيق في النفوذ الأجنبي خاصة لنظام الحمدين الحاكم في قطر خلال السنوات الأخيرة، في محاولة لوقف الجهود الخارجية للتأثير على مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية.
وكانت وزارة العدل قد أعلنت مؤخرًا أنها ستصعد حملتها على عمليات التأثير الأجنبي غير القانونية في الولايات المتحدة، لا سيما الانتهاكات المحتملة لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب، أو "فارا"، والذي يتطلب من جماعات الضغط وغيرها أن تكشف عن أي عمل تقوم به لتعزيز مصالح الحكومات الأجنبية.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة العدل أن الضباط الفدراليين قد وجهوا الاتهام إلى باحث في جامعة كنساس للعمل بدوام كامل في جامعة صينية بينما يتم الدفع له أيضًا من خلال عقود حكومة الولايات المتحدة لإجراء البحوث.
وواجهت وزارة التعليم ضغوطًا في الأشهر الأخيرة للقيام بدور أكبر في الحماية من التأثير الأجنبي غير المبرر من خلال إنفاذ القوانين التي تتطلب من الكليات والجامعات أن تكون أكثر شفافية فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية.
وفي العام الماضي، في جلسة استخبارات بمجلس الشيوخ تدرس التأثير الروسي في الانتخابات الأمريكية
وأشار مدير "اف بي أي" كريستوفر راي، إلى بعض "السذاجة من جانب القطاع الأكاديمي" حول مدى عرضة الجامعات غير المحصنة للأمن القومي ومخاطر مكافحة التجسس التي تشكلها دول التمويل الأجنبي لا سيما الصين وقطر.
وأقر بمخاوف محددة حول معاهد كونفوشيوس والبرامج الثقافية واللغوية التي تمولها وتديرها بكين إلى حد كبير - وتستضيفها حوالي 100 جامعة ومدرسة أمريكية.
في فبراير، وجد تحقيق أجرته لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ بشأن معاهد كونفوشيوس نقصًا ماليًا واسع النطاق من قِبل الكليات والجامعات التي تستضيفهم.
وخلص التقرير إلى أن "إنفاق الحكومة الأجنبية على المدارس الأمريكية يعد بمثابة ثقب أسود".
وفي الشهر نفسه، كشف مسؤولو وزارة التعليم في شهادة بالكونجرس أن أقل من 3 في المائة من 3700 مؤسسة تعليم عالٍ تتلقى تمويلًا أجنبيًا أبلغت عن تلقيها هدايا أو عقود أجنبية تتجاوز 250 ألف دولار.
وتعد تلك التحقيقات هي أحدث مثال على الكيفية التي وجدت بها الكليات والجامعات نفسها وسط إجراءات الهجرة العنيفة لإدارة ترامب والسياسة الخارجية الأمريكية.
وانخفض التسجيل الدولي، وزاد التأخير في التأشيرات، وحُرم الطلاب الأجانب والموظفين الأجانب من الدخول. هذا الأسبوع، قال طالب فلسطيني توجه إلى صفه الدراسي في جامعة هارفارد إنه مُنع من دخول البلاد بعد أن طالب أحد موظفي الجمارك وحماية الحدود برؤية هاتفه واعترض على أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي لأصدقائه.
ووسط ضغوط من المشرعين وحرب تجارية متصاعدة مع الصين، أغلقت عدد من الكليات - بما في ذلك جامعة تكساس إيه آند إم - معاهد كونفوشيوس التي تستضيفها، لكن التهمة الأخيرة من قبل وزارة التعليم أربكت حسابات أولئك في التعليم العالي.
وكانت التحقيقات، التي تم الكشف عنها في السجل الفيدرالي، هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي أعلنت فيها الإدارة علنًا أنها تفحص مدارس بعينها. هذه الملاحظات قدمت معلومات مفصلة - بما في ذلك السجلات الضريبية والتحويلات البرقية، والاتصالات بين الأساتذة والحكومات الأجنبية، والمعلومات حول الجامعات في الخارج - التي أدارتها الوزارة.
كما تسعى وزارة التعليم للحصول على سجلات شاملة حول الصين وقطر. وتستشهد ملاحظات القسم مرارًا وتكرارًا بالمنظمات رفيعة المستوى، مثل مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، والتي تساعد في تمويل الجامعات الأمريكية في البلاد؛ ومكتب مجلس اللغة الصينية الدولي، المعروف أيضًا باسم "هانبان"، الذي يدير معاهد كونفوشيوس؛ و"هاواوي"، أكبر منتج لمعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم، والتي تعتبرها إدارة ترامب خطراً على الأمن القومي، وقد وصفها وزير الخارجية مايك بومبيو بأنها "أداة للحكومة الصينية".
وتسببت تحقيقات وزارة التعليم في حدوث احتكاك بين الوزارة وعدة مجموعات للتعليم العالي، والتي حثتها على توضيح القواعد حول بند غامض، يسمى البند 117، في قانون التعليم العالي. حيث يقولون إن العلاقات الجامعية مع كيانات أجنبية أصبحت أكثر تعقيدًا وضخامة منذ تمت إضافة البند قبل ثلاثة عقود. في غياب أي لائحة رسمية من الوزارة، فإن المدارس قدمت تقارير بناءً على أفضل تفسيراتها للقانون ، حسبما تقول مجموعات التعليم العالي.
وقال تيري هارتل، نائب رئيس المجلس الأمريكي للتعليم، الذي يمثل 1700 رئيس جامعة ومعهد ومديرا تنفيذيا في مجال التعليم العالي، "هذا ما يحدث عندما تصدر قانونًا لا ينظر إليه أحد مرة أخرى أبدًا".
وجادلت سبع مجموعات من مؤسسات التعليم العالي بأنها "من غير العدل إلى حد ما فرض متطلبات غير موجودة قانونًا".
واتسمت بعض متطلبات الكشف بالغموض - مثل ما إذا كان الحد الأدنى البالغ 250،000 دولار قد تم الوفاء به عن طريق هبة فردية أم مبلغ إجمالي، وما إذا كان تعريف "المؤسسة" يشمل المؤسسات التي قد توجه الأموال إلى الجامعات.
وقا هارتل "الأمر ليس كما لو أن المدارس تحاول إخفاء شيء ما هنا، فهي تريد أن تفعل الشيء الصحيح"، مضيفًا "يجري التحقيق معهم الآن دون أي إطار تنظيمي. وتقول وزارة التعليم بشكل أساسي، "القانون يعني ما نقوله، إنه يعني متى نحقق معك".
وقالت "دوري ديفلين" ، المتحدثة باسم مؤسسة "روتجرز"، والتي ترجع عقودها مع الصين وقطر وروسيا للعام 2010، إلى أنها قد "أجرت محادثات مباشرة مع وزارة التعليم، وقد حصلت على توضيحات بشأن القواعد، ونحن ندرك أننا بحاجة إلى الامتثال بسرعة للوائح تقديم التقارير".
وقالت ميغان دوبياك، المتحدثة باسم جامعة جورج تاون، والتي طُلب منها إنتاج سجلات تتعلق بعلاقاتها مع الصين وقطر والمملكة العربية السعودية وروسيا، إن الجامعة استخدمت "عملية دقيقة ومنهجية" لتفصيل "هدايا أو العقود الأجنبي، وأضافت أن الجامعة "عملت مع وزارة التعليم لتوفير معلومات متجاوبة تثبت أنها أبلغت عن جميع المعلومات المطلوبة".
ومنذ عام 2012، أبلغت الكليات والجامعات عن حصولها على المساعدات الخارجية بأكثر من 10 مليارات دولار، وفقًا لقاعدة بيانات عن الهدايا الأجنبية التي تحتفظ بها وزارة التعليم.
وفي العام الدراسي 2017-2018 ، أبلغت 91 مؤسسة عن تلقيها أكثر من 1.3 مليار دولار في شكل هدايا وعقود من مصادر حكومية وغير حكومية أجنبية في 105 دولة، مع احتلال الصين المرتبة الأولى من بين المانحين، وفقاً للوزارة.
لكن الوزارة قالت إن هناك بعض المدارس في بعض الأحيان قد حذفت الوثائق. على سبيل المثال، كان ينبغي أن تشمل تقارير جامعة "تكساس إيه آند إم" فرع الجامعة في قطر، والتي تتلقى ملايين الدولارات من مؤسسة قطر، ما يشير إلى وجود أهداف أخرى تسعى إليها دويلة الحمدين.
أشادت عدة كليات قيد التحقيق بشراكاتها مع المؤسسة القطرية. وقال كورنيل، الذي يشمل التحقيق معه أيضًا علاقاته مع الصين، إن حرم جامعة "تكساس ايه أند أم" في قطر قد "قام بتدريب وتخرج مئات الأطباء الشباب من الشرق الأوسط وآسيا والعديد من الدول الأخرى (بما في ذلك الولايات المتحدة)".
لكن في العام الماضي، توخت مؤسسة قطر الحذر عندما استجابت لطلب السجلات العامة بخصوص جامعة "تكساس ايه أند ام"، من خلال رفع دعوى لحماية البيانات المتعلقة بالمنح والتبرعات، بحجة أنها كانت معلومات تجارية سرية "تعادل الأسرار التجارية".
وفي بيان لها، قالت مؤسسة قطر إنها تسعى فقط لحماية المخصصات والمدفوعات المحددة للعقود والمنح البحثية، المسموح بها بموجب قانون تكساس، وليس تفاصيل أنشطتها ومشاريعها مع المؤسسات. وقالت المنظمة إن جهودها لحماية المعلومات التنافسية لم تكن تعني مطلقًا "التأثير على الإفصاحات التي يتعين على الجامعات إصدارها بموجب القانون الأمريكي"، وأنها طلبت عقد اجتماع مع وزارة التعليم لتعزيز هذا الموقف.
وقالت المنظمة إن مبادرتها للتعليم العالي، والتي يطلق عليها "المدينة التعليمية" قد جعلتها منارة هامة للحرية الأكاديمية في المنطقة، مع دعم رؤية قطر للاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل"، و "تم تنفيذها دائمًا وفقًا لمصلحة الانفتاح والشفافية والمنفعة المتبادلة".
وقال مايكل يونغ، رئيس جامعة "تكساس ايه أند أم"، إن الجامعة تلتزم الشفافية وتفخر بعلاقتها مع مؤسسة قطر، التي تساعد في تمويل الحرم الجامعي في قطر وقدمت حوالي 50 مليون دولار في تمويل مجال البحوث، والذي يقول إنه "مجال حيوي في الجامعة". وأكد أنه لم يكن هناك تدخل من الحكومة أو المؤسسة القطرية، وأن الطلاب يتلقون "تعليمًا غربيًا تمامًا كما لو كانوا يجلسون هنا في تكساس".
وأوضح يونغ أيضا أن حرم الجامعة يتجاوز الحدود، حيث يحضر الرجال والنساء الفصول الدراسية معًا، ويسجل النساء نسبة في برنامج الهندسة أعلى من برنامج الجامعة في تكساس.
وقال يونغ "نحن متحمسون وفخورون بهذا الحرم الجامعي"، مؤكدًا "إنه مطوق بالقيم الأساسية لمؤسستنا".