هيومن رايتس ووتش تكشف التعسف القطري تجاه أفراد قبيلة الغفران

  • رايتس ووتش

بدأت حدة الانتقادات الدولية تتزايد لفضح ممارسات تنظيم الحمدين ضد أفراد قبيلة الغفران، فالتنكيل الممنهج التي تتبعه الدوحة مع العشيرة القطرية، والجرائم المستمرة تجاه أفرادها، بات مرفوضا من قبل منظمات حقوق الإنسان.

وانتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الأمريكية، الممارسات القطرية تجاه القبيلة، مؤكدة أن قرار الدوحة بسحب الجنسية تعسفا من أسر في عشيرة الغفران، ترك بعض أفراد العشيرة من دون جنسية بعد عشرين سنة وحرمانهم من حقوق أساسية.

وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن أفراد عشيرة الغفران يعتبرون عديمو الجنسية محرومين من حقوقهم في العمل اللائق، والحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والزواج وتكوين أسرة، والتملك، وحرية التنقل. بدون وثائق هوية سارية، كما يواجهون قيودا على فتح الحسابات المصرفية والحصول على رخص القيادة ويتعرضون للاعتقال التعسفي.

وكشفت أن المقيمين منهم في قطر محرومون أيضا من مجموعة من المزايا الحكومية المتاحة للمواطنين القطريين، كالوظائف الحكومية، ودعم الغذاء والطاقة، والرعاية الصحية المجانية.

وفي سياق متصل، قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "لا يزال العديد من أفراد عشيرة الغفران عديمي الجنسية محرومين من الانتصاف اليوم. ينبغي على الحكومة القطرية إنهاء معاناة أولئك الذين بلا جنسية فورا، وأن تمنحهم هم ومن حصلوا منذ ذلك الحين على جنسيات أخرى، مسارا واضحا نحو استعادة جنسيتهم القطرية".

وقابلت هيومن رايتس ووتش 9 أفراد من 3 عائلات بلا جنسية من عشيرة الغفران يعيشون في قطر، وشخص آخر من عائلة رابعة يعيش في السعودية. تضم العائلات مجتمعة 28 فردًا عديمي الجنسية. فيما قال 4 آخرين 2 منهم يعيشون في قطر، إنهم أصبحوا مواطنين سعوديين بعد 8 إلى 10 سنوات من سحب قطر لجنسيتهم.

ووصف رجل يبلغ من العمر "56 عاما"، سُحبت جنسيته هو وأطفاله الخمسة في 2004: "ليس لدي أي ممتلكات باسمي، لا بيت، لا دخل، لا بطاقة صحية، ولا يمكنني حتى فتح حساب مصرفي، كما لو أنه لا وجود لي. عندما أمرض، وبدلا من الذهاب إلى الطبيب أو المستشفى أتناول الـ"بنادول" [مسكن للألم لا يحتاج لوصفة طبية] وأتمنى التحسن".

يذكر أن عشيرة الغفران هي فرع من قبيلة آل مُرَّة شبه البدوية، المنتشرة في منطقة الخليج وتُعتبر من أكبر القبائل في قطر. في حين أعادت قطر الجنسية إلى العديد من الآلاف من أفراد عشيرة الغفران الذين سُحبت منهم جنسياتهم تعسفيا بدءا من 1996، لا تزال بعض العائلات تفتقر إلى مسار واضح لاستعادة جنسيتها.

وكانت هيومن رايتس ووتش، قد راسلت وزارة الداخلية القطرية في 29 أبريل 2019 للإعراب عن قلقها بشأن وضع عشيرة الغفران، لكن لم تتم الإجابة على الرسالة حتى وقت إعداد هذا التقرير.

وزعمت الحكومة القطرية أن أولئك الذين سُحبت جنسيتهم يحملون جنسية ثانية "سعودية"، ربما لأن فرعا كبيرا من آل مرة استقر منذ زمن في السعودية وحصل على الجنسية السعودية، حيث يحظر قانون الجنسية القطري ازدواج الجنسية، كما هو الحال في دول "مجلس التعاون الخليجي" الأخرى.

لكن العديد من ممثلي عشيرة أخبروا هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن هذا الإجراء كان بمثابة عقاب جماعي بسبب مشاركة بعض أفراد العشيرة في محاولات إفشال انقلاب 1996 الفاشل الذي قام به الأمير آنذاك حمد آل ثاني، بعدما أطاح بوالده خليفة آل ثاني.

وفي تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية في 2006، أشار دبلوماسيون إلى أن العديد من مزدوجي الجنسية الآخرين في قطر لم يتأثروا.

ونفى كل من قابلناهم امتلاكهم جنسية ثانية عندما سُحبت جنسيتهم القطرية، وقال البعض إنهم لم يتمكنوا لاحقا من الحصول على جنسية ثانية. بينما قال آخرون إنهم تمكنوا من الحصول على جنسية ثانية، لكن أصولهم قطرية.

ولم يتلق أي منهم أي اتصال رسمي أو مكتوب يوضح سبب سحب جنسيتهم أو يمنحهم فرصة للطعن، فكلهم بما في ذلك أولئك الذين عادوا إلى قطر بعد أزمة الخليج في يونيو 2017، قالوا إنهم إما هربوا، أو رُحلوا، أو مُنعوا من العودة إلى قطر بعد سحب جنسيتهم.

وقالوا إنهم استقروا لعدة سنوات في السعودية، أو الإمارات، أو الكويت كأشخاص عديمي الجنسية. أظهر جميعهم وثائق تثبت أنهم كانوا مواطنين قطريين.

بينما تدعي حكومة قطر أن من لم تُعاد إليهم الجنسية هم مواطنون سعوديون، لكن العائلات الثلاث التي تمت مقابلتها في قطر من عديمي الجنسية، أشارت إلى أن سلطات الدوحة لم تسمح لها بالطعن في ذلك.

وأشاروا إلى أنهم تواصلت مع وزارة الداخلية ولجنة حقوق الإنسان والديوان الأميري عدة مرات في محاولة لاستعادة الجنسية.

ويُجري "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" استعراضه الثالث لسجل قطر الحقوقي في إطار "الاستعراض الدوري الشامل"  في 15 مايو في جنيف، عن العامين الماضيين، حيث ناشد نشطاء من الغفران مجلس حقوق الإنسان لمساعدتهم في استعادة الحقوق المفقودة لعشيرتهم.

وفي أكتوبر 2018، طُرحت القضية في ورقة مشتركة مقدَّمة إلى الاستعراض من "الحملة العالمية من أجل حقوق المساواة في الجنسية" و"معهد عديمي الجنسية والإدماج" و"مركز تفعيل الحقوق".

وقالت فقيه: "ينبغي للحكومة القطرية إنشاء نظام يتسم بالشفافية وفي حينه، لمراجعة مطالبات أفراد عشيرة الغفران بالجنسية"، مشددة أنه على قطر متابعة الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مؤخرا في المصادقة على معاهدات حقوق الإنسان الأساسية، والتأكد من احترام الحقوق المنصوص عليها فيها".

حياة معلقة

يقول رامي أحد أبناء قبيلة الغفران والبالغ من العمر (33 عاما)، الذي كان في العاشرة من عمره فقط عندما سحبت السلطات القطرية الجنسية منه، ومن أسرته المكونة من 9 أفراد في ذلك الوقت: "كل شيء في هذا العالم مرتبط بالجنسية، لكن بالنسبة لنا، كل شيء مرتبط بصدَقة الآخرين".

ورامي مثل معظم الذين قابلناهم، طلب إخفاء هويته خوفا من الانتقام، حيث تم الاعتماد على أسماء مستعارة لجميع الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، لحماية خصوصيتهم وأمنهم.

وقال جميع من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم اعتمدوا على مساعدات أشخاص متعاطفين مع وضعهم لتغطية احتياجاتهم الأساسية، نظرا لافتقارهم لوثائق هوية سارية واضطرارهم للإقامة في دول خليجية أخرى، حيث لم يتمكنوا من الحفاظ على دخل ثابت وكافحوا ليعيشوا حياة كريمة.

وذكرت 3 أسر عديمة الجنسية إن كل المنازل التي سكنوها منذ سحب الجنسية، تبرعت لهم بها جمعيات خيرية أو أقاربهم، كما لم يتمكن أي من الأطفال الذين سُحبت جنسيتهم قبل سن 18 عاما من مواصلة التعليم العالي، أو الحصول على عمل مُجد، أو الزواج وتأسيس أسرة، حيث يقول رامي: "نحن نعيش في معاناة لأننا عديمو الجنسية، إذا بقينا هكذا، فلن يكون لنا مستقبل".

الوثيقة التعريفية الوحيدة لدى العديد من الذين قابلناهم، كانت جوازات السفر وبطاقات هوية وبطاقات صحية قطرية منتهية الصلاحية؛ وفي بعض الحالات، مجرد نسخ عنها.

لكن بالنسبة للجيل الأصغر، حتى هذه الوثائق نادرا ما تُفيدهم لأن صورهم عليها التُقطت عندما كانوا أطفالا صغارا أو مراهقين، أما الذين وُلدوا بعد سحب جنسية أسرهم فلا يمتلكون إلا شهادات ميلاد من دول خليجية مختلفة، الكثير منها تُبيّن جنسيات الوالدين كقطريين.

تُشير شهادة الميلاد القطرية لطفلة إلى أن والديها "ليسا قطريين"، وبلا جنسية أخرى، حيث يحمل العديد من عديمي الجنسية المقيمين في قطر وثائق متنوعة أصدرتها الحكومة مؤخرا والتي تشير إلى جنسيتهم كقطريين، مما يدل على التباس وضعهم القانوني حتى داخل الدوائر الحكومية، كما لا تزال المرأة القطرية محرومة من منح الجنسية لأولادها أو زوجها.

في 2018، أصدرت قطر قانونا جديدا للإقامة الدائمة الذي يسمح لأطفال وأزواج القطريات المتزوجات من غير القطريين بالحصول على الإقامة الدائمة مع ذلك، في حالتين موثّقتين سُحبت جنسية الأب، لكن الأم احتفظت بجنسيتها، لم يُسمح للأطفال بالاستفادة من القانون.

وقالت "نجمة"، والدة رامي القطرية: "عندما سمعنا بالقانون، أملنا تحسن الأمور. لكن مسؤولو وزارة الداخلية لم يسمحوا لي بتقديم طلب للإقامة الدائمة لأطفالي، لأنهم قالوا إنهم قطريين بالفعل".

وقال رامي إنه عندما ألح عليهم، طلب منهم المسؤولون الاتصال بالوزارة بخصوص جوازاتهم الملغاة بدل الإقامات.

الوضع مماثل بالنسبة للقادرين على الحصول على جنسية ثانية، حيث قال شخصان عادا للإقامة في قطر بعد الحصول على الجنسية السعودية، إن مسؤولي وزارة الداخلية منعوهم من تقديم طلب للحصول على الإقامة القانونية في قطر كمواطنين من دول مجلس التعاون الخليجي.

وقال عبدالرحمن "34 عاما"، الذي عاد إلى قطر مع زوجته وطفليه في العام الذي حصل فيه على الجنسية السعودية: "في مرحلة ما، بعد سنوات من وجودنا في قطر، ومنعنا من استعادة حقوقنا، حاولت الحصول على تصاريح إقامة صادرة لنا كمواطنين سعوديين في قطر، كما رفضوا وزارة الداخلية طلباتنا، قائلين أنتم قطريين، كيف نمنحكم تصاريح إقامة؟".

"أنور" (40 عاما)، الذي انتهت صلاحية جنسيته السعودية في قطر، يرفض تجديدها خوفا من فقدان فرصة استعادة جنسيته القطرية يوما ما، حيث يقول: "الحصول على الجنسية السعودية كان ببساطة محاولة للسعي لحياة كريمة، لا أكثر ولا أقل. لم أرغب بمغادرة قطر. أريد البقاء في هذا البلد، حياتي في قطر الآن عبارة عن معاناة، أتمنى أن أعمل أتمنى أن أتزوج، لكن ليس لدي أي وثائق هوية سارية اليوم، وكل شيء يتطلب علاقات.

وقال ناشطان من الغفران يقيمان خارج قطر ويحملان جنسية ثانية إنهما لم يحاولا العودة منذ انتهاء صلاحية جوازات سفرهما القطرية لخشيتهما أن يُقبض عليهما بسبب نشاطهما. قال أحدهما: "طوال 22 عاما، حُرمت من زيارة والدتي، وإخوتي، وأقاربي في وطني".

لا يزال بعض الأشخاص عديمي الجنسية بدون سبب واضح يفسر التمييز بينهم وبين من استعادوا جنسيتهم. قال جميع عديمي الجنسية الذين قابلناهم إن لديهم أفراد من عائلاتهم استعادوا جنسياتهم. قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2010 إن الذين استعادوا جنسيتهم واجهوا صعوبات في الحصول على استحقاقات الإسكان والعمل.

قال نشطاء من الغفران إنه نظرا إلى نقص الشفافية المرتبط بسياسة قطر لإعادة الجنسية، فإن الخوف والشك ينتشران في مجتمعهم. قالت إحدى النساء: " أولئك الذين استعادوا جنسياتهم يخشون مثلنا التحدث بصراحة، لأنهم يخشون فقدانها ثانية".

يتطلب التسجيل في المدارس الحكومية المجانية والمدارس الخاصة والدولية في قطر وثائق هوية صالحة. وعلى نحو مماثل في السعودية، والإمارات، والكويت، حيث عاش العديد من الأشخاص الذين قابلناهم لجزء من حياتهم بلا جنسية، تطلب المدارس الخاصة والحكومية هوية سارية. قالت العائلات التي قابلناها إنه كان عليهم الاعتماد على العلاقات والأشخاص المتعاطفين، ومنهم مديري المدارس المدركين لمحنتهم، لتسجيل أطفالهم.

لم يستطع أي ممن سُحبت جنسيتهم قبل بلوغهم الثامنة عشرة متابعة التعليم العالي، حتى لو كان بإمكان عائلاتهم دفع الرسوم الدولية الأعلى.

قال "حمزة" (20 عاما)، الذي يعتبر أن عجزه عن مواصلة تعليمه العالي كان أكبر ضربة لمعنوياته منذ سحب جنسيته: "حاولت أن أسجل في جامعة قطر، وقُبلت، ولكن رُفضت في المرحلة النهائية نظرا لانتهاء صلاحية جميع أوراقي الثبوتية".

حاول رامي أيضا تقديم طلب إلى جامعة قطر، التي تقدم منحا دراسية لأبناء القطريات غير المواطنين، وقال إنه عندما أخبرهم إنه لا يملك أي وثائق هوية سارية، طلبت منه إدارة الجامعة الحصول على موافقة وزارة الداخلية: "تواصلنا عدة مرات مع وزارة الداخلية، بخصوص التعليم العالي، والتوظيف، وحتى الإقامة القانونية كأبناء وبنات القطريات، لكننا لم نتلق بعد موافقة".

بموجب القانون القطري، يُسمح فقط بتوظيف من لديهم إقامة قانونية أو المواطنين، ويقول شقيق رامي، "نجيب" (30 عاما): "لا أحد منا لديه وظيفة، قد أجد عملا، وقد أُقبل، لكن بمجرد معرفتهم أنه ليس لديّ وثائق سارية، ستقرر الشركات عدم توظيفي".

"ولاء" (26 عاما)، وأختها "دانا" (22 عاما)، هما المعيلتان الرئيسيتان لعائلتهما المكونة من 11 فردا، أنشأتا شركة استيراد عبر الإنترنت بمساعدة أقاربهما الذين احتفظوا بالجنسية القطرية.

وقالت دانا: "لم أتخرج، لا يمكنني العمل في أي شيء آخر غير في الخفاء. مع ذلك، أنا مجبرة على الاعتماد على عماتي وأعمامي. جميع الإجراءات والطلبات التي تتطلب موافقة الحكومة تجري بأسمائهم".

توفر قطر رعاية صحية مجانية أو مدعومة بشكل كبير لمواطنيها والمقيمين القانونيين، لكن يجب عليهم تقديم طلب للحصول على بطاقات صحية للاستفادة من الخدمات.

وقال جميع الأشخاص العشرة عديمي الجنسية الذين قابلناهم أنهم عانوا للحصول على الرعاية الصحية لأنهم لم يكن لديهم بطاقات هوية صالحة. قال أفراد من جميع الأسر الثلاث عديمي الجنسية والمقيمين في قطر الذين قابلناهم، إنهم اضطروا إلى استخدام البطاقات الصحية لأقارب أو أصدقاء للحصول على العلاج الضروري في المستشفيات الحكومية أو إلى دفع رسوم أعلى في المستشفيات والعيادات الخاصة.

قالت "بشرى" (49 عاما)، إنه حتى بالنسبة إلى الرعاية الصحية الأولية، تطلب المستشفيات دائما بطاقات هوية سارية. قالت عن ابنتها الصغرى: "بعد 6 أشهر من ولادتها لم نتمكن من تلقيحها أو تأمين أي خدمات صحية أخرى لها. أحاول عادة ارتداء النقاب، وآخذ البطاقة الصحية لابنة عمي وأحاول معالجة طفلتي بهذه الطريقة". في الثانية من عمرها، لم تحصل ابنتها بعد على اللقاحات الأساسية.

وقال جميع الأشخاص الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنها عانوا أيضا للحصول على الرعاية الصحية عندما كانوا يعيشون بلا جنسية في دول خليجية أخرى.

تقييد الحق في السفر هي الشكوى الرئيسية لدى من قابلناهم، حيث قال رامي إن التجول داخل قطر يُعد صعبا لأنه لم يتمكن هو وإخوته من الحصول على رخص القيادة دون وثيقة تعريفية سارية، مضيفا: "بعضنا لم يسبق له رؤية طائرة من الداخل".

ويقول "حارث" (29 عاما) شقيق رامي: "عندما توقفنا شرطة المرور ويكتشفون أنه ليس لدينا رخص قيادة أو بطاقات هوية، يرسلوننا لأقرب مركز شرطة ولا يمكننا الخروج إلا بكفالة".

واجه أبناء الغفران مشاكل مماثلة عند إقامتهم في المنطقة الشرقية في السعودية، إذ يوضح والد رامي: "كانت أكبر مشاكلنا في السعودية، الفتيان على الأقل، هي كلما مروا بأي نقاط تفتيش تابعة للشرطة، يتم استجوابهم حول عدم حيازتهم لأوراق ثبوتية، ويُقبض عليهم ويُحتجزون أحيانا. ذات مرة، أمضى أحد أبنائي 3 أيام في السجن لأنه لم يستطع تقديم وثيقة تعريفية".

إضافة إلى انتهاك حرية الأفراد في التنقل، بما في ذلك حقهم بمغادرة أي بلد، فإن الوصول غير الموثوق والمقيّد إلى وثائق السفر قد يؤدي إلى انتهاك حق الأفراد في الصحة، بما فيه الحق في طلب العلاج الطبي، وحقهم في الحرية الدينية، بما في ذلك الحج.

وسحبت السلطات القطرية جنسية "عنان" (58 عاما) وإخوتها في 2004، حيث كانت تعيش بالفعل في المنطقة الشرقية في السعودية مع زوجها وأطفالها، الذين سُحبت جنسيتهم في 1996 حسبما قالت، بينما تمكن زوجها وأطفالها من الحصول على الجنسية السعودية في 2005، لكن لا يزال طلبها قيد الانتظار، قائلة: "لا يمكنني مغادرة السعودية، ولا يمكنني حتى التنقل داخل السعودية، إلى مكة، وأصعب شيء عندي هو عجزي عن زيارة عائلتي في قطر".

وتضيف: "أفتقد زيارة لوطني، أفتقد الوكرة، الريان، الكورنيش، البحر. فاتني حفل زفاف ابن أخي والعديد من المناسبات العائلية الأخرى، فهناك بعض الأحباء الذين لم أرهم منذ اليوم الذي سُحبت فيه جنسيتي".

حُرم العديد من أفراد عشيرة الغفران – ممن انتهى بهم المطاف منفيين نتيجة لحرمانهم التعسفي من جنسيتهم – من ممتلكاتهم، بما في ذلك منازلهم في قطر.

ويؤكد "عبد العزيز" الذي يعيش في السعودية حاليا (34 عاما) أن عائلته جُردت من جنسيتها في 1996، وأُجبرت على مغادرة قطر في 2002: "في 2005 أو 2006، وبعد مغادرتنا لقطر، أُجبر والدي على بيع المنزل، وإلا سيواجه احتمال مصادرة الحكومة له، حيث اتصل مسؤولو وزارة الداخلية بأعمامي في قطر وأخبروهم بذلك".

تعيش كلّ من العائلات الثلاث التي قابلناها في قطر في منازل تبرعت بها جمعيات خيرية أو أقاربهم ممن يحتفظون بجنسيتهم القطرية، حيث أشاروا إلى أنهم يواجهون قيود على شراء العقارات وامتلاكها، وفتح حسابات مصرفية، وحتى شراء شرائح الهاتف الخلوي وخطوط الهاتف والإنترنت. توفر الحكومة القطرية لمواطنيها مساكن مدعومة بشدة فضلاً عن ميزات أخرى.

بعد فترة وجيزة من عودتهم إلى قطر، قالت والدة رامي، التي استعادت جنسيتها قبل بضع سنوات، إنها عادت إلى منزل أسرتها القديم لمعاينته لتكتشف أن السلطات سلمته إلى أسرة أخرى، حيث تعيش أسرة رامي الآن في منزل تبرع به أخوالهم: "لا نريد الاعتماد على الآخرين. نريد أن نكون قادرين على العيش في منزلنا ووطننا بكرامة".

يواجه الأفراد عديمو جنسية من عشيرة الغفران صعوبات في الزواج لأسباب اجتماعية وإدارية، إذ يتطلب تسجيل الزواج نسخة من جواز سفر ساري أو تصريح إقامة، وشهادة الميلاد.

وقال "عمر": "لديّ ابنة حاولت تزويجها لرجل كويتي، لكن رُفض الزواج لأنها لا تحمل وثائق هوية صالحة".

وقالت والدة رامي إنهم حتى لو تمكّنوا من تجاوز المتطلبات البيروقراطية، بدون جنسية، سيبقى أطفالها متضررين: " كعائلة مؤلفة من 12 شخصا، نعيش بلا دخل ثابت. من سيتزوج من عائلة لا قدرة لديها حتى على جني المال؟".

وتراوحت أعمار 16 شخصا ممن تمت مراجعة حالاتهم بين 18 و35 عاما، لم يكن أحدا منهم متزوجا.

ويسمح قانونا الجنسية في قطر، الأول لعام 1961 (ملغى الآن) والثاني لعام 2005، بسحب الجنسية بقرار أميري دون أي حق في الاستئناف، كما يحدد كلا القانونين 5 أسباب يمكن على أساسها سحب الجنسية، منها اكتساب جنسية أخرى.

ويسمح قانون 2005 الذي وقّعه الأمير السابق حمد بن خليفة في أكتوبر 2005- أي بعد عام من بدء السلطات القطرية بسحب جنسية غالبية أعضاء الغفران بحسب تقارير- بإعادة الجنسية بقرار أميري عندما يتجنس شخص بجنسية دول أخرى "إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك".

وتنص المادة 7 أيضا على أنه يجوز رد الجنسية لمن "يثبت أنه من أصول قطرية ويشترط لذلك ما يلي: (1) توطنه في قطر مدة 3 سنوات متصلة على الأقل؛ (2) أن يكون له وسيلة مشروعة للرزق تكفي لسد حاجته و(3) أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة".

يشكل ذلك ظروفا غير عادلة بعد القرار التعسفي بإلغاء الجنسية، كما يميّز قانون قطر لعام 2005 أيضا ضد المواطنين المتجنسين، وينص على أنه "لا يجوز التسوية بين من اكتسب الجنسية القطرية وبين قطري، بالنسبة لحق شغل الوظائف العامة أو العمل عموما، قبل انقضاء خمس سنوات من تاريخ كسبه الجنسية. ولا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في هيئة تشريعية". تنص المادة 15 على أنه لا يكون لمن رُدت إليه الجنسية القطرية "حق الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية قبل انقضاء 10 سنوات على الأقل من تاريخ رد الجنسية إليه".

وقطر ليست طرفا في "اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية" و "اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية"، ولا تذكر قوانينها المتعلقة بالجنسية شيئا عن إلغاء الجنسية عندما يُترك ذلك الشخص بلا جنسية، ما يشير إلى ضرورة قيام السلطات في الدوحة بالمصادقة على كلا الاتفاقيتين.

وتنص المادة 15 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" على أن لكل شخص الحق في جنسية وأنه لا يجوز حرمان أي شخص من هذا الحق تعسفا.

وتعترف "اتفاقية حقوق الطفل"، التي صادقت عليها قطر في أبريل 1995، بحق الطفل في التسجيل فور ولادته، وفي اكتساب جنسية، "لا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية" (المادة 7)، وإذا "حرم أي طفل بطريقة غير شرعية" من هويته، فيجب "الإسراع" بإعادة إثبات هويته (المادة 8).

كما تحظر الاتفاقية التمييز (المادة 2)، بما في ذلك في التعليم، وتُلزم البلدان بإتاحة التعليم العالي للجميع وفقا لقدراتها (المادة 28).

كما ينص "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" (العهد الدولي)، الذي صادقت عليه قطر في مايو 2018 على الحق في العمل والصحة والتعليم، وجوانب هذه الحقوق محمية أيضا بموجب اتفاقية حقوق الطفل، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري".

وتعتبر العديد من هذه الحقوق محمية أيضا في "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" المحدث، والذي صادقت عليه قطر في 2013.

كما يحمي "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الذي صادقت عليه قطر في مايو 2018، الحق في الزواج وتأسيس أسرة، والحق في عدم التعرض للاحتجاز التعسفي.

تنص المادة 12 من هذا العهد على أنه "لا يجوز حرمان أحدا، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده"، وأن "لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده". في 1999، قررت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان"، وهي الهيئة الأممية المرجعية التي تتولى تفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن "نطاق عبارة ’بلده‘ أوسع من مفهوم ’بلد جنسيته‘"، وأنه ينطبق على الأشخاص الذين جُردوا من جنسيتهم، في انتهاك للقانون الدولي.

يضيف التعليق العام رقم 27 للجنة المعنية بحقوق الإنسان أن هذه الأحكام لا تنطبق فقط على المواطنين، بل تشمل الذين تربطهم روابط قوية ببلد معين. كما تحدد أن "الحق في مغادرة بلد ما يجب أن يشمل الحق في الحصول على وثائق السفر اللازمة".

من المعايير الدولية الأساسية أنه لا يُعاقب على جريمة إلا الأشخاص المسؤولين عنها، وفقا لقوانين واضحة تحدد الجرائم، وبعد محاكمة عادلة لتحديد الذنب الفردي.

وفي 1996، قال نشطاء وأفراد عشيرة الغفران بأن السلطات القطرية شرعت في تجريد أسر بأكملها تنتمي إلى عشيرة الغفران من جنسيتها دون إجراءات قانونية أو فرصة للطعن، وبحسب تقارير إعلامية وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، جردت الحكومة في 2004 ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف شخص من جنسيتهم القطرية.

وحسب أحد التقديرات قد يصل هذا العدد إلى 10 آلاف، كما فقد بعضهم على الفور وظيفته، ولم يعد في إمكان آخرين، مع مرور الوقت، شغل وظائف أو امتلاك عقارات، ولم يتمكنوا هم وعائلاتهم من الحصول على ميزات حكومية.

اُعتقل بعض أهالي الغفران ورُحّلوا وألغيت جوازاتهم، أما الآخرون الذين كانوا خارج البلاد فقد مُنعوا من الدخول، لجأ الكثيرون منهم إلى السعودية ودول خليجية أخرى.

وفي أوائل 2006، غيرت الحكومة طريقة تعاملها وقامت على مدار العامين التاليين بإعادة الجنسية إلى العديد ممن جُردوا من جنسياتهم، فيما قال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في 5 أغسطس 2008 إن نحو 5,700 شخص استعادوا جنسياتهم.

وأشار إلى أنهم يشكلون 95% ممن جردوا من جنسياتهم، حيث يكذب نشطاء من الغفران هذا الادعاء، قائلين إن اللجنة أحصت فقط أولئك الذين ألغيت جنسياتهم في 2004، متجاهلة من ألغيت جنسياتهم في وقت سابق.

وفي تقاريرها السنوية بين 2008 و2014، ذكرت اللجنة تلقيها 233 شكوى تتعلق بسحب الجنسية واستعادتها، كما ذكرت تلقيها شكاوى مماثلة بين 2015 و2017 من دون تحديد عددها. لم يذكر أي من التقارير عدد الشكاوى التي تم حلها.

إقرأ أيضًا
ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال: الدوحة مولت الإخوان في هولندا والاستخبارات حذرت من خطرهم

ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال: الدوحة مولت الإخوان في هولندا والاستخبارات حذرت من خطرهم

خلال الأعوام التالية لـ2008، بات واضحًا تركيز استراتيجية الإخوان على المدن الكبيرة، وخاصة أمستردام وروتردام؛ إذ ركزت الجماعة على الهولنديين الذين اعتنقوا الإسلام والجيل الثالث من المسلمين

ضاحي خلفان: إخوان اليمن يستمدون فتاوى الهجمات الانتحارية من القرضاوي

ضاحي خلفان: إخوان اليمن يستمدون فتاوى الهجمات الانتحارية من القرضاوي

تاريخ القرضاوي ملء بالفتاوى العدوانية الشاذة ومنها أنه أفتى بالقتال ضد القوات المسلحة والشرطة في مصر ووصف مؤيدي ثورة 30 يونيو بالخوارج