2 يوليو 2019

تاريخ حمد بن جاسم.. رحلة عراب الفساد والاحتيال والنهب نحو الثراء

لم يكن الأمير القطري الراحل الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، يدري أن حمد بن جاسم، هذا الشخص المجهول حينها، الذي أتى به ليتولى قمة السياسة الخارجية القطرية، بتعيينه وزيرا للخارجية، في 1 سبتمبر 1992، سيكون هو الذي سيقضي عليه بعدها بسنوات قليلة، بالتعاون مع ابنه حمد بن خليفة، بل سيمتد الأمر لينشر الفساد والرشى في أرجاء الإمارة الخليجية وعدد من البقع في العالم.

قصة صعود حمد بن جاسم قد تكون طبيعية للبعض، لكن ما لا يبدو طبيعيًا، هذا التضخم الكبير فى المهام والثروات أيضا، ولك أن تتخيل أنه ظل لأكثر من 15 عاما يتحكم فى اقتصاد قطر من كل الجهات، جنى خلالها المليارات من أموال الشعب القطري وأودعها في جيبه الخاص، على مرأى ومسمع من رفيق دربه حمد بن خليفة.

خلال هذه الفترة استطاع من خلالها هامان الدوحة، أن يكون ثروة تتجاوز 12 مليار دولار، في صورة أموال سائلة واستثمارات متعددة داخل قطر، وفي أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.

موقع "دي تينانتس" الأمريكي، سبق أن كشف في ملف كامل تفاصيل تحول رئيس الوزراء الأسبق لقطر، حمد بن جاسم، من موظف يعمل بوظيفة مدير مكتب وزير إلى واحد من أهم مليارديرات العالم، في قصة قد تبدو خيالية تحكي عن التحولات السريعة التي قفزت بابن جبر إلى عالم الثراء، حتى باتت ثروته المعلنة من الاستثمارات الخارجية تفوق 12  مليارات دولار.

وعلاوة على الشبهات المحتملة في الكيفية التي تمكن من خلالها حمد بن جاسم بن جبر من جمع هذه الثروة، فإن محطاتها لم تخلُ من تاريخ من الفساد والملاحقات القضائية، كادت في أخطرها أن تنتهي باتهامه بغسيل الأموال على خلفية صفقة أسلحة بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني مع شركة بي إيه أي سيستمز، قبل أن يضطر بن جاسم لدفع 6 ملايين جنيه إسترليني لصالح السلطات في جيرزي تعويضا طوعيا، إضافة إلى تورطه في عملية اغتصاب أرض مملوكة لفواز العطية "الناطق الرسمي السابق لقطر"، والمقدرة بـ20 ألف متر مربع، وغيرها من القضايا.

ابن جاسم الذي تربطه صلات قوية بالحكومات الغربية، التي كونها بالرشى والهدايا القيمة وشراء الذمم والنفوذ والابتزاز، استغل مناصبه السياسية للانتفاع المصلحي، ما ساعده على شراء مجموعة من العقارات في مدينة نيويورك بقيمة تزيد عن ربع مليار دولار.

وتشير المعلومات المتوفرة عن امتلاك حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، لحصص متفرقة في شركة طيران القطرية، وشركة الديار العقارية القطرية، ومشروع لؤلؤة قطر وحصة في متاجر هارودز البريطانية التي اشترتها حكومة الدوحة بقيمة 2.2 مليار دولار، ولم تتضح قيمة كل حصة منها، فيما يمتلك حصة تقدر بـ10% في سلسلة متاجر «el corte ingles».

وتعتبر شركة هيرتاج النفطية في لندن، أحد أكبر الاستثمارات التي استحوذ عليها حمد بن جاسم، بقيمة تصل لـ1.6 مليار دولار، يليه استثماره في دويتشه بنك الذي تصل قيمته لـ1.4 مليار دولار، فمشروع إل كورتِه إنغليس في إسبانيا بقيمة تتجاوز 1.1 مليار دولار.

حمد بن جاسم، أسس مجموعة بروة لتكون ذراعا استثمارية لصفقاته التي يبرمها في عدد من أرجاء العالم، كما استخدمها ذراعا مالية للاستثمارات القطرية في ألمانيا تحديدا، ويشاركه في ملكيتها شقيقه فيصل بن جاسم.

تفيد المعلومات المتوفرة أيضا، أن حمد بن جاسم وحمد بن خليفة "أمير قطر السابق"، استثمرا باسم قطر عبر شركتين تعود ملكيتهما لهما، في صفقات مشتركة تتخطى حاجز الـ 2 مليار يورو.

ويترأس حمد بن جاسم شركة تشالنجر التي اشترت بدورها أسهماً بقيمة مليار دولار في بنك باركليز البريطاني، الذي يواجه دعوى قضائية من مكتب جرائم الاحتيال الخطرة البريطاني؛ لتسهيل عملية شرائها أسهما داخل البنك بهدف رأس رفع ماله إلى 4.5 مليار جنيه إسترليني لمواجهة تبعات الأزمة المالية العالمية في 2008، وهو ما اعتبرته السلطات البريطانية مخالفة صريحة للقانون.

كما كشف "دي تينانتس" أن حمد بن جاسم يعد شريكا سريا في برج "وان وول ستريت، كما يمتلك سلسلة من الفنادق في العاصمة البريطانية لندن، وسبق أن استحوذ على 3 شركات في الباهاما، كما يمتلك حصةً في منطقة كناري وارف في بريطانيا.

واستمرار للصفقات المشبوهة، كشفت صحيفة التايمز البريطانية، في عددها الأخير النقاب أن رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم استحوذ على ربع إمبراطورية قطب المطاعم والملاهي الليلية في المملكة المتحدة ريتشارد كيرنج، في إطار صفقةٍ يُعتقد أن قيمتها تناهز 200 مليون جنيه إسترليني (نحو 250 مليون دولار).

لم يكن يتخيل أحد أن هذه الشاب الذي تولى مدير لمكتب وزير الشؤون البلدية والزراعة في قطر عام 1982، سيضع كل قطر فى جيبه، وسيكون هو المخطط والمنفذ أيضا لكل ما يحدث فى الإمارة، رغم أنه كان بعيدا عن الأنظار، ولم يتخيل أحد أن يتصدر يوما الواجهة، فما علاقة الزراعة بالسياسة، حتى حينما اختير في 1990 نائبا لوزير الكهرباء والمياه.

لكن كان دائما خلف الستار يمارس هوايته، يدير الانقلابات والمؤامرات التى تحقق له هدفه، حتى ساعد ابن عمه، حمد بن خليفة، ولى العهد حينها على الإطاحة بوالده الأمير خليفة، فى 1995، وتكريما لدوره فى تنفيذ خطة الإنقلاب المحكمة، وضع الأمير الجديد كل السلطات فى يد وزير خارجيته، الذى مارس هوايته القديمة فى اللعب بعرائس الماريونيت، إلى أن تم تعينه رئيساً للوزراء فى 2 أبريل 2007، ليحكم قبضته على الإمارة الغنية بالغاز الطبيعى.

هذه الشخصية المضطربة هي خلاصة الاختلال القطري في النظرة للأمور، فإذا كانت قناة الجزيرة هي صورة الاختلال على الشاشة، فإن حمد بن جاسم هو صوت الاختلال، فالمال واللعب على المشاعر كانا طريق حمد بن جاسم إلى الخراب.

"الرجل يريد الأموال".. هذا النهم للمال والولع الذي لا ينتهي في الاستثمارات، أبرزه أيضا الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو في كتابهما الصدار مؤخرا "أوراق قطر".

وبحسب المؤلفين، فإن حمد بن جاسم "انتبه مبكرا لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شيء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب".

ويروي الكاتبان قصة أول عمولة لحمد بن جاسم وكانت عام 1993، بينما كان وزيرا للخارجية في عهد الأمير الأسبق خليفة بن حمد آل ثاني قبل أن ينقلب عليه ابنه عام 1995 بمساعدة بن جاسم.

يقول الكاتبان: "أدى اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين زيارة إلى الأمير الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في منزله بمدينة كان الفرنسية، سعيا لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما في قطر، وقد سأل الشيخ خليفة، الذي لم يكن مهتماً بالبيزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم، عما ينبغي قوله لرجلي الأعمال، فرد عليه بن جاسم: قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معي".

وبعد أسابيع، وصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى قصر الريان بالدوحة، مقر إقامة الأمير خليفة الذي تحادث معهما بضع دقائق، ثم قال لهما إن حمد بن جاسم هو الذي يهتم بشؤون الأعمال الخاصة وأنه سيتركهما معه لمزيد التشاور.

ونهض بن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس في أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلي الأعمال الفرنسيين بادرهما بالقول: "أنا أشعر بحرج بالغ لأنني مضطر إلى أن أخبركما بأن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة، هو لن يقول لكما هذا، أنا في غاية الحرج".

ويرجح الكاتبان أن ذلك المبلغ هو أول ما وضعه بن جاسم في جيبه بعد توليه الإشراف على صفقات الأمير الأسبق. ومنذ ذلك التاريخ فتحت شهية بن جاسم الذي كان وزيرا لخارجية قطر منذ عام 1992 على جمع المال بأي وسيلة وبأي شكل وبأي ثمن، وازداد هذا النهم بعد مساعدته حمد بن خليفة في الانقلاب على أبيه عام 1995 ثم توليه رئاسة الوزراء عام 2007.

فساد بن جاسم وشرهه للمال بأي وسيلة، جعله هدفا لملاحقات قضائية عدة، كان أبرزها الدعوى القضائية التي رفعها ضده الناطق الأسبق باسم وزارة الخارجية القطرية، فواز العطية.

والعطية هو صاحب القضية الأكثر شهرة ضد حمد بن جاسم والتي كانت قيد النظر من قبل المحكمة الملكية "ستراند لندن" منذ أغسطس 2015، وتتعلق بقضية تعذيب، اتُهم فيها عملاء تابعون لابن جاسم بسجنه قسريا في الدوحة لمدة 15 شهرا من 2009 إلى 2011 وعذبوه، حيث تم وضعه في سجن انفرادي ومنعه من النوم، كما كان يسمح له بالخروج من محبسه فقط من أجل استجوابه بينما كانت يداه مكبلتين بالأصفاد.

وإضافة إلى فساده في الجانب الاقتصادي، فتعد سياسات حمد بن جاسم إبان عمله رئيساً لوزراء أمير قطر السابق حمد بن خليفة، أحد أبرز أسباب أزمات قطر مع أشقائها، ويعد تدخل "تنظيم الحمدين" إلى اليوم في سياسة الدوحة، أحد أسباب فقدان بوصلتها.

فالخليجيون بوجه عام والسعوديون تحديدا لم ينسوا تسجيلات "تنظيم الحمدين" مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وهم يتآمرون فيها ضد المملكة العربية السعودية وقادتها.

وفي عام 2014، تم تسريب تسجيلين للحمدين مع القذافي، ويرجح أنهما يعودان إلى عام 2003، ويظهر تخطيط الحمدين لزعزعة استقرار السعودية، والسعي إلى تقسيمها، والاعتراف علانية بمخطط المؤامرات.

وفي التسجيلين المذكورين اللذين سربا عام 2014، ويرجح أنهما يعودان لعام 2003، يظهر تخطيط تنظيم الحمدين لزعزعة استقرار السعودية، والسعي إلى تقسيمها.

كما يشتهر حمد بن جاسم بأنه صاحب وعدين من 6 وعود زائفة للقطريين بإجراء انتخابات برلمانية في البلاد لم تتم حتى اليوم، إذ أعلن عروسة الماريونت تميم بن حمد، تمديد عمل مجلس الشورى المعين لمدة عامين آخرين حتى 2021.

اقرأ في الموقع
إقرأ أيضًا